تاريخ صناعة المصاحف وتطورها.

صفحات القرآن من الرق إلى الوسائط الإلكترونية.
إبداعات أنامل الخطاطين والفنانين تتجلى على صفحات القرآن الكريم في سبيل الفوز بالثواب ونيل شرف المساهمة فى رسم حروف وأشكال المصاحف الشريفة التي أصبحت ميدانا خصبا للتنافس بين الفنانين في تجويد الخط العربي، ودقة الزخارف المذهبة، وتناسق الألوان ونضارتها، وروعة نقوش الغلاف الجلدي.

مصاحف نادرة
من أندر مخطوطات المصاحف في العالم التي تعد آية من آيات الفن الإسلامي الرفيع، صفحة رائعة من مخطوط قرآني كتب على الرق الأزرق النفيس النّادر بالخط الكوفي المذهب، ويعتقد أنه كتب بمدينة القيروان بأمر من الخليفة العباسي المأمون.
وهناك صفحة أخرى نادرة من مخطوط قرآني كتب على الرق بالخط الكوفي المغربي المجود، مشكلة بالنقاط الحمراء، وتعد من أوائل المخطوطات التي تحولت الخطوط المائلة الصغيرة بها إلى نقاط لتمييز الحروف العربية المتشابهة.
ومن أبرز المصاحف النادرة في مصر، مخطوط "ربعات أولجايتو" الذي كتبه الخطاط عبد الله بن محمد بن محمود الهمذاني، للسلطان أولجايتو خذ بنده محمد، ثامن سلاطين الدولة الإيلخانية بإيران عام 1284م، وقد كتبت أجزاء هذه الربعة بالمداد الذهبي المشعر بالمداد الأزرق، وأحيطت سطورها بالجداول والزخارف الذهبية، بحيث يتصدر كل جزء لوحتان منقوشتان بالذهب وبهما زخارف استهلالية هندسية، تتداخل فيها الدوائر والأشكال الخماسية والنجمية.
وتضم قاعة العرض المُتحفي بدار الكتب مجموعة من أندر وأثمن المقتنيات التراثية تشتمل على 27 مصحفا مخطوطا يتميز بجودة الخط، وبراعة الزخرفة، وجمال نقوشه المحلاة بالذهب واللازورد.

ومن أقدم هذه المصاحف، مصحف كتب في القرون الثلاثة الأولى للهجرة، بخط كوفي على رق غزال.

ومن المصاحف القيمة ذات الحجم الكبير نسخة بقلم ثلث جلي وبين سطورها ترجمة باللغة الفارسية، صنعت في الهند سنة 1331 هـ، و تحتوي على7 جلدات، وغلافها من الفضة الخالصة المطعمة بالرقائق الذهبية والياقوتية.
كما تميـز العصر المملوكي بالثـراء الثقافي وزخر بعدة نسخ من المصحف المخطوط، من بينها مصحف تحتفظ به دار الكتب المصرية كتب سنة 1243هـ بقلم ريحاني، يعرف باسم (مصحف الملك الناصر محمد بن سيف الدين قلاوون)، مكتوب بماء الذهب ومشعر بالمداد الأسود بخط أحمد يوسف تركي.
أما المخطوط الذي اشتهر بـ(مصحف أماجور) في العصر العباسي بين عامى (256-264هـ)، فمن أقدم المصاحف التي تحمل تاريخا محـددا.
وفي مكتبة سراي "طوبقابي" باسطنبول 10ورقات من مصحف شريف لنموذج بديع للخط الكوفي المزخرف، ويتجلى به مزج مداد السناج الأسود بالذهب، وكتابة علامات التشكيل باللون الأحمر مما أضفى جاذبية على شكل الكتابة، وقد حاكى فيه الخطاط أساليب المماليك في الكتابة الكوفية، والمذهل في هذه الأوراق الكتابة دون المساس بسطح الورقة بعد تشعيره بالذهب، فالخطاط حمزة الشرفي قام بكتابة الخطوط أكثر من مرة وهى واقعة نادرة، كما أن جلد المصحف مغطى بفتات الصدف، وفي ختام الصفحات نوه الخطاط إلى أن هذه الصفحات مقدمة إلى السلطان قنصوى الغوري.
ومن المصاحف البديعة بمتحف الآثار التركية الإسلامية مخطوط من مدينة "هراة" الإيرانية بخط شمس الدين باسنقري، وفيه سورة الفاتحة وأول البقرة، وقد كتب بخط النسخ محاكاة لياقوت المستعصمي، ويعتبر تحفة فنية نادرة في خطه وزخرفته، فقد كتبت أسماء السور وعدد آياتها بالخط الكوفي بصحيفتى صدر المصحف، وزخرفت نهاية الآيات بأشكال زخرفية رقيقة، بينما رسمت أشكال تشبه الغيوم، ووحدات زخرفية نباتية بين السطور.
وهناك مصحف نادر كتبه إمبراطور هندي منذ حوالي 400 سنه بخط اليد، يزن 13 كيلو جراما وطوله 39.51 سم وارتفاعه 20 سم. وتمت كتابته بخطوط ذهبيه وفضية ولكل ورقة من هذا المصحف رائحة عطر مختلفه عن الورقة الأخرى، والخامة المصنوعة منها صفحات المصحف مقاومة للحريق تجنبا للحوادث، وقد نجحت القوات الهندية في إحباط محاولة لسرقه هذا المصحف وبيعه مقابل 50 مليون دولار.
كما تفنن الخطاطون في كتابة المصاحف بأشكال مختلفة وأحجام متفاوتة، فهناك المصاحف التي كتبت بأحجام صغيرة لا تتعدى السنتيمترات والمثمنات كمصاحف السناجق التي تعلق على الأعلام في الحروب وأخرى كتبت على صفحة واحدة أو ثلاثين ورقة أو على أوراق طوال محفوظة في علب من الفضة والذهب.
بينما توجد مصاحف كبيرة بطول 140 سم وعرض 70 سم ووزن 154 كجم على الرقوق كما في المصحف الهندي الذي أهدي لمكتبة المدينة المنورة.
مصحف وزنه 500 كيلو جرام ذهب أكبر وأصغر مصحف

تاريخ صناعة المصاحف وتطورها. Img22707

وبمناسبة مرور ربع قرن على صدور "مصحف الجماهيرية"، عرضت ليبيا خلال منتصف رمضان 2008 م نسخة تحت عنوان "أكبر مصحف في العالم" من حيث مساحته وعدد المشاركين في كتابته وجنسياتهم، وهو مصحف الشام الذي خطه 58 خطاطا ينتمون إلى 16 دولة عربية منهم الخطاط الليبي إبراهيم المصراتي، حيث قامت شركة سورية في محاولة لدخول موسوعة جينس بانتاج مصحف مساحة الصفحة به نحو مترين مربعين وعدد صفحاته 120 صفحة، تحتوي كل منها على 33 سطرا وهو مذهب ومزخرف ومكتوب بخط النسخ، وكل 4 صفحات تشكل جزءا من القرآن الكريم‏، وعرض لأول مرة في احتفاليات حلب للثقافة الإسلامية. ‏
ويعد من المصاحف الضخمة التي تحتاج إلى ما لا يقل عن 5 أفراد لحملها حيث يزن حوالي 500 كيلو جرام ذهب، ويظهر بها صبر الخطاطين والفنانين وتفانيهم في إنجازه على مدى 10 أشهر متواصلة.
مصحف منقوش على حجر ياقوت
كما حظي زوار معرض مستلزمات العروس بدبي 2008 م بفرصة مشاهدة أصغر نسخة قرآن في العالم، حيث استخدمت تكنولوجيا الرقائق الإلكترونية لتصميم هدايا نفيسة بنقش أحرف القرآن الكريم على حجر من الياقوت - ثاني أكثر الأحجار صلابة بعد الألماس - بمعدن البلاتينيوم أو الذهب الخالص (عيار 24 قيراطا).
وتم تسجيل هذه الشريحة الإلكترونية التى يمكن حملها بالجيب وقراءتها بعدسة مكبرة (عرضها 58 ميليمترا وطولها 98 ميليمترا) رسميا كأصغر نسخة قرآن في العالم في متحف القرآن الكريم بمدينة طهران الإيرانية وتحتوي الشريحة على 10 آلاف سطر كتبت بالخط العثماني على حجر الياقوت الخاص، وتم وضعها في خواتم وقلادات واستغرق إنتاجها قرابة عامين ويتم حمايتها بطبقة من الكوارتز، وتعد ثاني شريحة إلكترونية تحتوي على القرآن الكريم كاملا وعرضت بمبلغ 15 ألف درهم.
وجاء في موسوعة "جينس" أن حسن عبد ربه (29 عاماً ليسانس حقوق) من الأشرفية، يملك أصغر مصحف مطبوع في العالم، أهدته له جدته قبل وفاتها منذ 15 عاما، وهو مصحف "أرجواني" اللون بطول 2.5 سنتميترا وبعرض 1.9، ويبلغ سمكه 0.9 سنتيمترا، ولا يعلم حسن تاريخ طباعة مصحفه وحتى جدته لا تعلم متى لأنها ورثته عن جدتها، والمصحف حديث الطباعة تبدو كتابته واضحة جدا ومقروءة عبر المكبّر، كما يتميز المصحف باحتوائه على دعاء ختمة القرآن والفهرس وغيرها من ملحقات المصحف العادي ومنها كتاب عن قصص معجزات الأنبياء.
كما غلفت صفحاته الزاهية بغلاف مزدان بتشكيلات نباتيه مطلية بماء الذهب الخالص، ومرفق به عدسة صنعت خصيصا للمصحف، بداخل إطار من الجلد الممتاز والعتيق جدا، وتحمل زخارف المصحف وخطوطه سمات الأسلوب العثماني، و كان يمتلكه الحاكم التركي في اليمن حمود ناصف بك، و قام بإهدائه إلى الإمام يحيى آل حميد الدين سنة 1920م.
وقد دهش مالكه حين قرأ خبرا نشرته إحدى وكالات الأنباء، عن اكتشاف مصحف في ماليزيا يُعتقد بأنه أصغر مصحف في العالم، رغم أن طول المصحف "الماليزي" أكبر من مصحفه حيث يقدر بـ 2.7 سنتيمترا وعرضه 2.2 سنتيمترا.
من الخط المكى المدنى إلى النسخ رسم كلمات القرآن فى عهد الرسول
تاريخ صناعة المصاحف وتطورها. Img22708

ورغم تدوين القرآن الكريم كاملا في عهد النبى محمد ‏(‏صلي الله عليه وسلم‏)‏ إلا أنه لم يُجمع في مصحف، وكان زيد بن ثابت مداوما على كتابة الوحي، وبقيت الصحف المدون بها في رعاية أبي بكر الصديق يليه عمر بن الخطاب رضى الله عنهما، ثم عند أم المؤمنين حفصة حتى وفاتها.أما المصاحف التي كتبت في عهد عثمان بن عفان رضى الله عنه، فخلت من النقط والتشكيل والتحلية والتذهيب والتعشير وعلامات الفصل بين السور، لكن بعد توسع الفتوحات الإسلامية ودخول أمم لا تتكلم العربية في الإسلام، انتشرت اللغات الأعجمية بين الناس وكثر اللحن حتى بين العرب أنفسهم، فخشي ولاة أمر المسلمين على المصحف غير المنقوط من التحريف، واتجهوا إلى رسم النقاط، واتفق أغلب المؤرخين على أن المخترع الأول لنقاط الحروف هو أبو الأسود الدؤلي.وقد تطور الخط العربي بفضل القرآن العظيم تطورا سريعا، حتى أصبح تحفة فنية ثمينة،ففي العهد الأول من الإسلام كتبت المصاحف بمكة والمدينة المنورة بخط مكي مدني واضح محكم رصين بدون تشكيل ولا تنقيط بمداد أسود على رق جلد وبمقاس كبير شبه مربع وبإملاء ورسم عثماني.وظل الخط العربي يرقى ويتنوع حتى وصل إلى 20 نوعا في مطلع القرن الـ3 من الهجرة عندما انتهت رئاسة الخط إلى الوزير أبي علي محمد بن علي بن مقلة، وهو أول من قدَّر مقاييس وأبعاد النقاط، وأحكم ضبطها وهندسها و قام باختصار أنواع الخط العربي في عصره من 20 إلى 6 أنواع هي الثلث، والنسخ، والتوقيع، والريحان، والمحقق، والرقاع.وعند فتح العراق في خلافة عمر رضي الله عنه، سميت الكتابة بالخط الكوفي‏،‏ واستمرت الكتابة بهذا الخط بألوانه وأشكاله وتعدد أنماطه حتى نهاية القرن الـ5 الهجري. ونظرا لاعتماد هذا الخط على الخطوط والزوايا، فقد بدأ التحول عنه إلى خطوط لينة تناسب حركة اليد منذ الدولة الأموية بالشام والعباسية ببغداد، حتى اتيح للوزير "ابن مقلة" استخلاص قاعدة سميت بالطومار المعروف الآن بخط الثلث‏، حيث كتب بهذا الخط في ورقة كبيرة تسمي الطومار، وبعد فترة قطع ثلثها فسمي بخط الثلثين، ثم قطع الثلث الثاني فظهر خط الثلث‏، ‏وفي مطلع القرن الـ6 إلى الـ9 الهجري بدأت كتابة المصاحف بخط الثلث والريحانيثم انتقلت فنون الخط إلي فارس‏ (‏إيران‏)‏ وأصبح لها مدرسة في الخط الكوفي، وأنتجت خطوطا تميزت بها هي خطوط الشكسنة والتعليق و"النستعليق" وهو خط مأخوذ من خطي النسخ والتعليق‏.‏وفي مكتبة سراي طبقابي باستانبول نسخة من أجمل المصاحف التي كتبت بخط التعليق، للشاه محمود نيسابوري من تبريز، ويظهر على سبيل المثال بآيات من سورة العلق، مثل "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ?1? خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ?2? اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ ?3? الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ?4? عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ?5? كَلاَّ إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى ?6? أَن رَّآَهُ اسْتَغْنَى ?7?" (العلق: 1: 7).ورغم أن هذا الخط لا يقبل التشكيل ولا العلامات، لأن أي إضافة عليه تفسد جماله وتناغمه، فقد استعمل الخطاط الرموز والتشكيل، فجاءت الكتابة بهية الرونق، وقد كتبه الشاه محمود الملقب بصاحب القلم الذهبي سنة 945 هجرية بطلب من شاه محمود بهادر خان، الذي قدمه هدية للسلطان العثماني مراد الثالث، وقام على تذهيبه أشهر المذهبين والنقاشين في ذلك العصر، وأشهرهم المذهب والنقاش الشهير حسن البغدادي. ويمثل جلد المصحف هذا نموذجا بديعا من التجليد في القرن الـ10 الهجري.وبعد سقوط دولة المماليك بمصر في مطلع القرن نفسه، أصبحت اسـطنبول عاصمة الخلافة الإسلامية بمقر الخلفاء العثمانيين مركز الفكر والفن في العالم الإسلامي، مما سـاعد على انتشار أسلوب الخط الجديد الذي طوره الخطاط التركي الشيخ حمد الله الأماسي، ومنذ هـذا التاريخ أصبح خط النسـخ هو الخط المفضل لكتابة المصاحف ووصفتـه المصادر العثمانية بأنـه خادم القـرآن، وظل الناس يكتبون به إلى عصرنا الحالي.وكانت المصاحف تدون خلال القرون الأولى للهجرة على هيئة سجل أو لفافة، قد تشتمل الواحدة منها على سورة أو أكثر، ثم أخذت الشكل الأفقي، أو العمودي في العصر الأموي وما بعده، و خطت حروف القرآن الأولى على سعف النخل، والعظام والحجارة، والرقع وورق البردي، وتسابق الخطاطون ليطوروا ويجملوا كتابة القرآن العظيم وكتبوه على صفائح الذهب والفضة والعاج، وطرزوا آيات القرآن العظيم بالذهب والفضة على الحرير والديباج، وكان الخلفاء والأمراء والسلاطين يتبركون بكتابة المصاحف بأيديهم، ويحفظونها في المساجد.وفي نهاية العصور الوسطى، اخترعت الطباعة بالحروف في ألمانيا، حيث كانت تلك العصور تصبغ كل شيء بالدين‏,، وقد قام والي مصر محمد علي باشا بإنشاء مطبعة بولاق‏،‏ ودفع بمخطوط للقرآن الكريم إلي المطبعة بعد موافقة العلماء علي طبعه.و بعد طبع المصحف، طلب من الشيخ التميمي مفتي الديار المصرية وقتئذ بوضع خاتمة عليه حتى يكون بيعه وتداوله أمرا مشروعا‏.‏ وقد تمت طباعة مصحف نادر صغير الحجم يبلغ طوله (3سم وبضعة مليمترات) سنة 1317هـ - 1892م في المطبعة الآميرية بمصر تحت إشراف علماء من الأزهر الشريف وبداخله بيان يوضح من كتبه بخط يده، ومن أشرف عليه، وتاريخ طباعته، وترجع أهمية هذا المصحف النادر لكونه النسخة الوحيدة التي طبعت في تلك الفترة بالطريقة الحجرية، بهذا الحجم الصغير، وأصل المصحف كتابة يدوية وتمت طباعته على ورق مصقول من الكتان الأصلي.ثم حدث تطور واضح في جماليات الحروف العربية فى بداية القرن الـ20، وظهرت النهضة الخطية في مصر في عهد الخديوي إسماعيل، حيث قام محمد جعفر بك بكتابة حروف جديدة خاصة بالقرآن الكريم تجمع علامات الإعراب والتجويد وجماليات خط النسخ، فكانت حروفه أجمل حروف وبها صدر المصحف المشهور بمصحف الملك فؤاد، وهو أول مصحف مجموع من الحروف الطباعية المتفرقة.
فنون الزخارف والتذهيب

تاريخ صناعة المصاحف وتطورها. Img22709

و من الأساليب الفنية التي ارتبطت بفنون الكتاب الشريف، وازدهرت في العالم الإسلامي، فن تزيين المخطوطات بتذهيب بعض صفحاتها أو كلها. ولم تعرف الزخرفة وتحلية المصاحف إلا في العصر العباسي، وكانت الصفحات الأولى والأخيرة وعناوين السور والفواصل تحظى بعناية أكثر في تذهيبها وزخرفتها، وربما اشترك أكثر من واحد في زخرفة آيات المصحف الشريف وتذهيبها وكتابتها، على مدى أكثر من عام .
ومنذ القرن الـ9 الهجري/ الـ15 الميلادي، زادت العناية بتزيين صفحات بعض المخطوطات، فلم يعد التذهيب وقفا على "السرلوح" أي الصفحات الأولى من المخطوط، أو على النجوم الزخرفية التي كانوا يسمون الواحدة منها شمسة، بل أصبح لزخرفة الهوامش وتذهيبها شأن كبير، فأقبل الفنانون على تغطية هوامش المخطوطات بالرسوم النباتية والهندسية أو البشرية.
أغلفة بالأحجار الكريمة
وتطلبت كتابة القرآن العظيم في مهدها عددا ضخما من اللفائف، خاصة أن مصاحف القرون الأولى اشتملت على كلمات متباعدة بحروف كبيرة، ولم تكن عواقب التجزئة مأمونة، فقد تختلط اللفائف ويضطرب ترتيب النص القرآني، ولذلك صار التجليد ضرورة لحفظ نص القرآن العظيم من التلف والضياع.
وترجع بذور صناعة التجليد العربية إلى عهد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- وكان التجليد يتم بوضع المخطوط بين لوحين من الخشب مثقوبين في مكانين متباعدين من ناحية القاعدة، ويمر بكل ثقب منهما خليط من ليف النخيل، وتثقب الأوراق وتعقد، وقد أخذ العرب هذه الطريقة البدائية عن الأحباش، فقد خرجت نسخ المصحف الشريف من المدينة المنورة إلى الأمصار، وكل منها بين لوحين بسيطين من الخشب لا فن فيهما ولا حلية ولا زخرفة.
وكان أهل مصر يستعملون البردي كخامة جيدة للتجليد، وتغليف المصاحف الصغيرة منها والمتوسطة.
ومنذ أواخر القرن الهجري الثاني تقريبا، بدأ الجلد يدخل في صناعة التجليد العربية، فاستعملت منه شرائط في لصق الكعبين، ثم جاءت مرحلة التوسع والتفنن والزخرفة بحيث اكتسب الكتاب قيمة جمالية.
وخلال القرن الـ4 الهجري تقدمت صناعة التجليد وزخرفة الأغلفة من الخارج والداخل ثم وصلت الأغلفة التي ضمت كلمات القرآن الكريم أوجها في العصر المملوكي، وعرف المجلدون في هذا العصر طرقا مبتكرة في الرسوم على الجلد.
وقد تتلمذ العثمانيون في فن التجليد على يد الإيرانيين الذين استقدموا إلى اسطنبول، واستعملوا صفائح الذهب أو الفضة في كسوة الأغلفة الثمينة، كما زينوا هذه الأغلفة بالأحجار الكريمة، وكانت هذه النسخ والمصاحف تهدى عادة للسلاطين، بل تطورت أيضا حافظات فاخرة لحفظ المصاحف.
واستخدم فنانو بني عثمان شرائح الجلد الملونة في كسوة الأغلفة الورقية، وزينوا وزخرفوا الشرائح الجلدية بالضغط والختم أو التثقيب. ومن الطرق التي ورثها العثمانيون عن زملائهم المسلمين في "هراة وبلاد ما وراء النهر" طريقة القالب وطريقة الورق المضغوط المدهون باللك، بل ابتكروا طريقة جديدة استبدلوا فيها الجلد بالحرير وبالمخمل المطرز بالألوان المختلفة، واستعملوا خيوط الذهب في التطريز في غلاف يطلق عليه في التركية كلمة "فردوز".
ومع ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ظهرت المصاحف الإلكترونية، ومن أبرزها مصحف إلكتروني يحتوي على 22 مصحف كامل لعدة مشايخ وبثلاث قراءات، عبارة عن برنامج إلكتروني يختزن 2508 سورة قرآنية أي آلاف الساعات من كلام الله عز وجل مسجلة على مساحة 4 ميجابايت فقط أو أقل لإتاحة فرصة الاستماع والحفظ وربما القراءة عبر الشاشات الإلكترونية.
الصين ترصد 55 ألف دولار لترميم
أقدم مصحف بخط اليد.

تاريخ صناعة المصاحف وتطورها. Thumbmail2008-08-31+15%3A16%3A12.501X

تاريخ صناعة المصاحف وتطورها. Thumbmail2008-08-31+15%3A16%3A12.501X

رصدت مصلحة الدولة للآثار فى الصين 500 ألف يوان (55 ألف دولار أمريكى) لإعادة ترميم أقدم نسخة من القرآن الكريم المخطوط باليد والمحفوظة حاليا داخل مسجد "جيه تسى" بمحافظة شيون هوا بمقاطعة تشينغهاى الواقعة شمال غرب الصين.
يذكر أن هذه النسخة القديمة من القرآن كانت قد حملت الى الصين من وسط آسيا قبل أكثر من 700 عام وهى نسخة كاملة تضم الأجزاء الثلاثين وتتكون من 681 صفحة بالحجم الكبير، وتعد اقدم المخطوطات اليدوية من القرآن الكريم فى الصين ويتفق الخبراء والمختصون على أن تاريخ كتابتها يعود الى القرن ال13 الميلادي.
ومن المقرر أن يتم عرض هذه النسخة النفيسة النادرة بعد ترميمها داخل قاعة خاصة يعكف على بنائها حاليا وعلى نفقتهم الخاصة أفراد قومية السالار الذين يشكلون غالبية سكان محافظة شيون هوا ويعتبرون هذه النسخة ملكا لهم.
يشار أن الإسلام يعد الديانة الثانية فى الصين - بعد البوذية وقبل المسيحية - من حيث عدد أتباعه الذين تقدرهم الأحصائيات الرسمية بأكثر من 25 مليون نسمة,ومن بين القوميات ال56 التى يتشكل منها نسيج المجتمع الصينى هناك عشر قوميات تدين بالاسلام هى( هوى -الويغور- القازاق- القرغيز- التتار - الأوزبك - الطاجيك- دونغشيانغ- سالار- باوآن).
مصاحف بنكهة «التوت» ورائحة «اللافندر»

تاريخ صناعة المصاحف وتطورها. Thumbmail2008-07-16+10%3A19%3A58.818X

تاريخ صناعة المصاحف وتطورها. Thumbmail2008-07-16+10%3A19%3A58.818X

حب الموضة امتد ليشمل كافة مناحي الحياة، بما فيها المصاحف. فقد انتشرت في السعودية ظاهرة اقتناء المصاحف الفاخرة، من البازارات الخيرية والمهرجانات النسوية. وتأتي هذه المصاحف بأسماء مختلفة حسب خامتها ولونها، منها المصحف التوتي، الحريري، المخملي، المعتق وغيرها.
فيما تترافق مع هذه المصاحف شرائح عطرية خاصة كبديل عن الشريط القماشي، تتباين بين روائح الورد والمسك واللافندر والفانيلا، بحسب طلب الزبونات، حيث تقوم بإنجاز هذه الطلبات محترفات.
تقول نرجس عبد الله، سيدة إيرانية انتقلت للعيش إلى السعودية منذ فترة قصيرة، بأنها تفاجأت من حجم الإقبال الكبير الذي لقيته المصاحف التي امتهنت صنعها يدوياً، حيث كانت تعرضها عبر احد
المعارض المتخصصة بالمنتجات الأسرية، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من الصناعات اليدوية. وأوضحت أن انجذاب السيدات لاقتناء هذه المصاحف دفعها لتطوير أشكالها وألوانها وخاماتها وابتكار أنواع مختلفة تستقطب أكبر شريحة من السيدات.وتابعت نرجس حديثها قائلة بأن أغلب الحريصات على اقتناء المصاحف الفاخرة هن من الفتيات الجامعيات والمعلمات وبعض ربات البيوت، اللاتي يشاركن في مراكز وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم، وذلك لأنها تخاطب ذوق المرأة على وجه الخصوص. وهذا ما شجعها على استعمال الألوان الزاهية والمسميات المغرية، فيما ترى بأن الرجل لا تستهويه أبداً هذه الموضة، ويرى أنها «موضة نسائية» محضة.
وتشير نرجس إلى أنها لا تدخل أي تغيير في الصفحات الداخلية، وان دورها يقتصر على الغلاف الخارجي للمصحف وإلباسه حلة مختلفة، وهو الأمر الذي يتطلب أخذ مقاسات المصحف مسبقاً، ويحتاج لمدة تتراوح ما بين يومين إلى ثلاثة، مضيفة بأن لديها تصاميم جاهزة على مقاس المصحف الأخضر، وتـُلبس له مباشرة في حال طلبت الزبونة أخذ تصميم جاهز دون أي اشتراط في اللون والموديل والخامات المطعمة لغلاف المصحف.
وتتراوح قيمة هذه المصاحف ما بين 30 إلى 120 ريالا سعوديا (8 إلى32 دولارا)، حيث يختلف سعرها باختلاف حجم المصحف ونوعية وكمية الخامات المستعملة فيه، وايضا ما إذا احتاج إلى غلاف مبطن أو من طبقة واحدة، وحجم الاكسسوارات والشرائط وقطع الكريستال التي يفضل الكثير من السيدات نثرها على الغشاء، وهو النوع الأغلى على الإطلاق.
من جانبها، تعلق وفاء الدوسري، وهي معلمة تربية إسلامية للمرحلة الابتدائية في إحدى مدارس القطاع الخاص، أنها حرصت على اقتناء مصحف حريري فيروزي اللون، لكونها ترى أن في ذلك وسيلة محببة لجذب الفتيات الصغيرات إلى قراءة القرآن الكريم. وأضافت بأنها قدمت بعض المصاحف الفاخرة كهدية للطالبات المتفوقات ووجدت أنهن سعدن كثيراً بهذه الهدية القيمة، وهو ما تراه أمراً جيداً وأفضل بكثير من تقديم أي هدية استهلاكية أخرى.
وتجدر الإشارة إلى أن حرفة صنع وتجهيز المصاحف الفاخرة ليست حديثة، حيث برز قديماً استعمال الذهب في تزيين الكتابات القرآنية. كما يشير بعض النصوص الأدبية القديمة إلى حرفة تذهيب
المصاحف الفاخرة التي ظهرت منذ أواخر القرن الثاني للهجرة-الثامن للميلاد. وكانت صناعة التذهيب تجرى حتى القرن السابع الهجري، ونالت عندها زخرفة المصاحف وتذهيبها العناية الاولى ثم يتبعها كتب الأدب على اختلاف أنواعها.