الدكتور احمد عمر هاشم
القاهرة: هناء أحمد لمعي ـ تصوير: عبد الله السويسي

متى بدأت رحلتك مع الدعوة الإسلامية؟
بدأت منذ الطفولة، فوالدي وهبني خادماً للقرآن وسنة رسولنا الكريم، وأراد أن أكون داعية فحفظت كتاب الله في كتاب القرية، ثم أكملت تعليمي في معهد الزقازيق الديني الذي يشترط حفظ القرآن الكريم كاملاً للالتحاق به، وأتذكر أن أول خطبة ألقيتها في حياتي عندما كنت في الصف الأول الابتدائي، وهي ما تقابل المرحلة الإعدادية حالياً، وكان عمري وقتها إحدى عشرة سنة، وكان ذلك في رمضان حيث جاء إلى بلدتنا عمدة قرية الأربعين المجاورة لقريتنا، وطلب من الشيخ محمد أبو هاشم أن يؤدي خطبة الجمعة الأولى من شهر رمضان في بلدهم إلا أنه اعتذر ورشحني لإلقاء الخطبة بدلاً منه، فذهبت بصحبة أحد الأصدقاء واعتليت المنبر، وأديت الخطبة بتوفيق من الله، وكانت عن التوبة وأعجب بها أهل القرية، فطلبوا مني الاستمرار في الخطبة والصلاة بهم مرات ومرات بعد ذلك، ثم تواصلت الندوات والمحاضرات الدينية، ونحن في فترة الشباب إلى أن التحقت بكلية أصول الدين كما كان يرغب والدي الذي نذرني للأزهر.

يقال إن رؤيا كانت سبباً في اتجاهك للتخصص في علوم الحديث؟
كنت بالسنة الرابعة في كلية أصول الدين، ورأيت في المنام أن رسول الله ] يطوف في البيت عند باب الكعبة، وأنا أطوف خلفه فرويت ذلك لوالدي فبشرني بأن الله سيوفقني للسير على الهدي النبوي. والشيء الجميل أنه ما مر أسبوع على هذه الرؤيا حتى أخبرني رئيس جامعة الأزهر أنه تم اختياري لأداء فريضة الحج حيث كان من المتبع اختيار طالب عن كل جامعة لتأدية الفريضة المقدسة، ووقع عليّ الاختيار هذا العام ففرحت جداً، وكانت هذه هي المرة الأولى التي أذهب بها لزيارة بيت الله الحرام.

علمنا أن لك مواهب شعرية.. فحدثنا عنها؟
عرفت الشعر منذ طفولتي، وبدأت تتبلور موهبتي عندما كنت في الصف الثالث الابتدائي حيث كتبت أول مجموعة شعرية؟، وقصة قصيرة طبعتها جميعاً في أول كتاب ألفته في حياتي تحت عنوان «نهاية آمال»، ثم نضجت تجربتي الشعرية تدريجياً حتى وصلت للمرحلة الثانوية، فأصدرت كتابي الثاني الذي كان عبارة عن مسرحية شعرية مقتبسة من القرآن الكريم تحت عنوان «أصحاب الجنة»، وهذه المسرحية أذاعتها إحدى الدول العربية.. ثم التحقت بكلية أصول الدين، وكانت أولى مساهماتي في التليفزيون المصري في برنامج نور على نور الذي كان يقدمه الإعلامي الكبير أحمد فراج، وفي هذا اللقاء ألقيت قصيدة، وكنا في شهر رمضان قلت فيها:
يا صائم الشهر الحبيب نعمت وارتاحت رؤاك
أخراك قد عمرتها واليوم قد عمرت دناك

ما سر تغيبك عن الحياة العامة في الوقت الحالي؟
لست متغيباً، فأنا عضو في مجمع البحوث الإسلامية، وأحضر جلساته باستمرار كما أنني أرأس لجنة السنة النبوية، وهي إحدى لجانه، وأدرس علم الحديث بكلية أصول الدين لطلاب الدراسات العليا إلى جانب أنني ألقي خطبة الجمعة كلما سنحت لي الظروف، وأقدم برنامجاً بإذاعة القرآن الكريم بعنوان «في ظلال الهدي النبوي»، وأقوم بعمل موسوعة الحديث النبوي الصحيح، وتقع في أربعة مجلدات.

حدثنا عن مؤلفاتك؟
أخرجت 501 كتاب آخرها الموسوعة السابقة إلى جانب شرح صحيح البخاري الذي يقع في 51 مجلداً، وشاركت في موسوعة بيان الإسلام، والتي تهدف للرد على الشبهات التي توجه للإسلام، وتتكون من 42 مجلداً، إلى جانب كتاب الطريق إلى اتحاد الأمة الذي فيه خارطة طريق للنهوض بالأمة الإسلامية وفق مبادئ وتوجيهات معينة، بالإضافة إلى كتب كثيرة مثل الشفاعة في ضوء الكتاب والسنة والرد على منكريها، والتضامن في مواجهة التحديات، ومباحثات في الحديث الشريف من توجيهات الرسول، والإسلام وبناء الشخصية وغيرها.

يستنكر البعض عمل المرأة.. فما رأي الشرع في ذلك؟
الدين الإسلامي يبيح للمرأة العمل بدليل أن أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها اشتغلت بالتجارة التي أدارها الرسول الكريم ]، ولم ينكر عليها ذلك فلا مانع من أن تعمل المرأة بشرط ألا تخل بواجباتها نحو بيتها وزوجها وأولادها، بل إن الحديث الشريف «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك» جاءت فيه المرأة كصاحبة للمال إلا أن النبي المصطفى أوصى بالزواج من ذات الدين الصالحة التي تصون شرفها وعفافها، وتحفظ لزوجها كرامته وتعينه على دينه ودنياه وآخرته، بحيث لا يسعى من وراء الزواج للحصول على المادة.

فتاوى الفضائيات
يقال إن عصرنا عصر الفضائيات فهل خدمت الدعوة الإسلامية؟
للأسف معظم القنوات الفضائية الدينية الموجودة على الساحة تهدف في المقام الأول لجذب المشاهدين؛ لذا نرى أن كل من هب ودب أصبح يفتي، وهم لا يعلمون حجم المسؤولية التي تتطلبها الفتوى، وصرنا نرى فتاوى غريبة تبيح المحرمات وتحرم الحلال؛ لذا لابد من التصدي لهذه الفوضى الهدامة بكل حسم.. أما الفضائيات غير الدينية فإن هدفها هو القضاء على الفضيلة والعفة والترويج للرذيلة.

وكيف نستطيع تمييز ما إذا كانت الفتوى صائبة أم لا؟
الرسول ] قال «استفت قلبك»؛ أي تخير الأقرب إلى ما يراه قلبك وعقلك أنه من الصواب، وأقرب للحلال، وبعيد عن الحرام كما قال عليه الصلاة والسلام: «الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه»، وهنا يشير إلى أن نتقي الشبهات فنترك ما نشك أنه مخالف لشرع الله، وإذا اختلف الأمر علينا فلنتجه لفقهاء الأمة الموثوق بعلمهم وصلاحهم.

ما رأيك في الدعاة الجدد؟
الشباب الجدد من الدعاة أخذوا على عاتقهم التصدي للشبهات المثارة حول الإسلام وتبصير الناس بما استطاعوا، وما يملكون من لغة معاصرة للخطاب الإسلامي والتوعية بما اندثر من أخلاق بين الناس، فامتلأت المساجد وتحجبت الفتيات، ورسموا للشباب الطريق الصحيح للدين القويم.

بماذا تنصحهم؟
أن يتأنوا ولا يتعجلوا في الرد على الفتوى خاصة في القضايا الشائكة التي تحتاج لتخصص وخبرة وعلم مستفيض؛ لأنه للأسف نجد البعض يقول: إن هناك اختلافاً في وجهات النظر، وأقول لهم: إن هذا الاختلاف قد يكون في أمور اجتماعية أو سياسية. أما أمور الدين فإن المصدر الوحيد لها هو القرآن والسنة، وهذا ما لا يختلف عليه اثنان، واللجوء لأهل العلم والتخصص لن يقلل من شأنهم شيئاً، بل على العكس سيزيد من ثقة الناس فيهم، وعليهم أن يتذكروا قول الله تعالى: «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون».

مع تزايد عدد الدعاة ما هي المواصفات التي يجب توافرها في الداعية؟
في البداية يجب أن يتأسى بالداعي الأول صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً وخلقاً وعلماً وسلوكاً فقد أنزل الله فيه سبحانه وتعالى: «يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً». كما يجب أن يوازن بين موقفه من العلوم التجريبية والشرعية، بحيث يربط بين الحياة وعلومها العصرية بالعلوم الشرعية، وأن يكون متواضعاً ومتأدباً مع الله عز وجل.

تجديد الخطاب الديني
كيف يمكن للخطاب الديني أن يواكب عصره؟
التجديد هو سنة الله في خلقه وضرورة في العالم المتغير؛ لذا يجب ألا يتجاهل الخطاب الديني مستجدات العصر، بل يجب أن يراعي المتغيرات السياسية والاقتصادية المعاصرة، فيركز على تصحيح المفاهيم الخاطئة بعيداً عن الانفعال والتشنج، ويدعو إلى السلام والحرية والانفتاح، وموافقاً للغة القوم الذين يتوجه إليهم مع الحفاظ على هويتنا وشخصيتنا المميزة، بحيث يصل هذا الخطاب لعقول وقلوب العامة بالطريقة التي لا تتعدى على الثوابت، لكن الإشكالية في إعادة طرح الأصول بالشكل المناسب للعصر.

من وجهة نظرك ما هو سبب تخلف الأمة الإسلامية؟
الابتعاد عن الجوهر الحقيقي للدين. فالدين أصبح ظاهرياً والعبادات تؤدى بلا فهم صحيح للحكمة منها؛ لذا انتشر الفساد والظلم والأمراض المجتمعية كالمحسوبية والواسطة، ففسدت الحياة ونزل البلاء.

والحل؟
لا يمكن إصلاح الدنيا بدون إصلاح الدين؛ لذا يجب تطبيق الدين بصورته الصحيحة قولاً وعملاً.

وهل تخلفنا هذا سبب هواننا أمام الأمم الأخرى؟
لقد وصف رسولنا الكريم ] حالنا هذا قبل أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان، والأزمة التي نعيشها ليست أزمة الأعداء وقدرتهم وتخطيطهم وإمكاناتهم، ولكن أزمتنا نحن وتخاذلنا وضعفنا، وفي ذلك يقول رسول الله ]: «يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها» قالوا: أو من قلة نحن يومئذ يارسول الله؟ قال: «بل أنتم يومئذ كثير ولكن كغثاء السيل، ينزع الله الهيبة من قلوب أعدائكم ويلقي في قلوبكم الوهن». وهذا الوصف الدقيق للرسول الكريم يفسر وضعنا الحالي بالضبط، فعددنا كثير، وكذلك ثرواتنا إلا أن ما نعانيه من ضعف وتخاذل هو سبب تخلفنا.

تنوعت التيارات الدينية حديثاً لدرجة أن الناس أصيبوا بالحيرة
وأيها تتبع، فهل هذا التنوع في صالح الأمة الإسلامية؟
التيارات الدينية على الساحة الآن رغم تعدد مسمياتها فإن هناك كلمة واحدة تجمعهم هي «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، لذلك فإن الأسماء لا تهم بل ما يهم هو توحد الرسالة، فكل منهم يقوم بدوره في الدعوة، وأنا أقدر ذلك لكن ينقصهم أن يتحدوا على قلب رجل واحد، وينبذوا الصراعات والفرقة التي تؤدي لانتشار الفتن وضياع الأمة، وأن يسيروا على منهج الوسطية والاعتدال.