بقلم د. غادة شريف

عارف يا واد يا حمادة، قدر ما عشنا سويا سنين عجافا، أحداث تشيلنا وأحداث تحطنا، أول مرة أرى أن هناك من البشر من يرتدون رداء الطيبة والإصلاح من منطلق قلة الحيلة!!..

ويبدو والله أعلم أنهم ما كانوا يشاركون فى تيارات إصلاحية إلا لمجرد أن النظام آنذاك كان يعطيهم ظهره!!.. وربما يكونون قد حاولوا التقرب إليه سرا ثم فشلوا، فتوكلوا على الله وشدوا الرحال وادّعوا النضال ومعارضة النظام سعيا للشهرة التى قد تعوضهم عن فشلهم فى الحصول على مناصب، فربما شهرتهم والتفاف الناس والإعلاميين حولهم يجعلان النظام يندم على عدم اصطفائه لهم!!.

أما الآن وقد تغيرت الأحوال وبات اللى فوق تحت واللى تحت فوق، واقترب هؤلاء أخيرا من الحاكم وجماعته، إذا بقناع الطيبة والصلاح والاستقلال يتركن فى الدولاب لأن هذا مش وقته خالص، وإذا بالتخلى عن كل ما تم ادعاؤه من مبادئ، وإذا ببذل النفس والنفيس والكرامة والسيرة الحسنة من أجل عيون النظام الحالى، ونظرة يا ست.

ويلعبونها بتفوق شديد على بطانة النظام السابق، مما قد يجعله الآن يندم بشدة على تجاهله لهم فيما مضى.. لو كان رضى عنهم لكانوا فعلوا لأجله ما يفعلونه الآن وأكثر.. تلك مقدمة، ليس لها علاقة بشخص محدد، إنما هى عن واحد صاحبى انت ما تعرفوش وكثيرين مثله هذه الأيام!.. ما علينا، نيجى بقى للمستشار الغريانى.. بصراحة أنا لا أفهم ماذا يريد منه هؤلاء الذين يطلقون على أنفسهم القوى المدنية؟.. وقارفينه ليه يا ترى؟!.

هل هذا جزاء الرجل أنه كتر خيره أعلن الحرب فقرر الانعقاد المستمر للجلسات بينما كان فى إمكانه أن يعتكف فى منزله ويكتب الدستور لوحده بمعرفته؟!!.

كان بإمكانه مثلا أن يجلس أمام التليفزيون ويغطس فى الكنبة الوثيرة ويؤلف المواد على كيفه، وكان يملك أن يكتفى بالتصويت ع الموبايلات، لكنه استبدل المنسحبين بست ستهم، وجعل الصاوى يعتنق المسيحية لمدة ليلة، وأجبرهم أن يذوقوا مرارة دقة الساعات تصحى الليل وقسوة التنهيد والوحدة والتسهيد.. لذلك أنا أتعاطف بشدة مع المستشار الغريانى وأقدر العبء الذى كان على كاهله، وقد أيدته بشدة عندما قرر عدم البث التليفزيونى لجلسات التأسيسية منعا للحسد.

وإذا كنت عزيزى القارئ قد انخلع قلبك وأنت تشاهد السيد عمرو موسى فى البث التليفزيونى لإحدى الجلسات وهو يناهد مع المستشار الغريانى بينما الأخير لا يعطيه حتى فرصة استكمال جملة مفيدة، أهو المستشار قرر يريح قلبك، فمنع البث لفترة لأنه يعلم أن قلبك خفيف وإنك بتركب الهوا!.

وعندما زال القلق وانسحبت جميع القوى المدنية عاد البث التليفزيونى، وكان ممكن تطلب أغنية تهديها لماما وبابا، وكانت اللجنة ستقطع اجتماعها وتذيع الأغنية لك على الرحب والسعة. وطالما حدث ذلك المنع، فبالتالى عندما يظهر الآن أى عضو من التأسيسية يحلف لك أن المنسحبين كانوا يأخذون فرصتهم الكاملة فى عرض ومناقشة مقترحاتهم، فعليك أنت أن تصدق كلامه، مثل ذات الرداء الأحمر التى صدقت أن جدتها عينها كبرت علشان تشوفها بيها!!.

وإياك عزيزى القارئ أن تضرب كفا بكف وتتعجب من الغباء السياسى الفاجر.. أحذرك تحذيرا حذيرا من أن تفعل هذا، فمصلحة الجماعة أهم من مصلحة شعب مصر.. وإياك أن تتذكر فرحتك وفرحة الناس عندما اعتلى المستشار الغريانى رئاسة مجلس القضاء الأعلى ثم تنظر إلى أفعاله الآن وتتحسر.. أنا شخصيا رأيت له فى المنام أن رئاسة مجلس الشعب على الأبواب.. هل يعنى كنت تظن أن حرقة دمه منك ستمر هكذا ببلاش؟خصوصا بعد أن أثبت تفوقه على د. فتحى سرور الذى كان يظن نفسه أسطى ترزى مفيش أحسن منه؟!.

لذلك لا تتعجب عندما يتهم الإخوانيون المدنيين بأنهم لا يعترضون إلا لتعطيل مسيرة الديمقراطية، المشكلة فيك أنت، فبينما سيادتك تظن أن الديمقراطية هى تقبل الرأى الآخر، هم يرون أنها تلك الحشرة التى تصيب الملابس عندما تتركها فى الخزين، وتستطيع منعها بالنفتالين!.