■ أنا من جيل كان بيتحبس فى أودته يوم الخميس الأول من كل شهر مساء
عشان العيلة والأصحاب حايقعدوا حوالين الراديو يسمعوا حفلة أم كلثوم..
وأحيانا كان بيبقى ليا مساهمات إيجابية مؤثرة فى هذه القعدة..
كانت ماما تندهلى بلهفة شديدة فأذهب متأملة إنى ينوبنى جانب
من ترحيب الأناكل والتانتات.. لكن كان بيبقى الموضوع
«إنزلى لعم سعيد بسرعة هاتى علبتين بولوبيف ودستة بيض
وربع بسطرمة أحسن ناس زيادة طبوا»..
وكان كبيرى من هذه الاحتفالية إنى أطلعلى بساندويتش قشطة بالعسل
والا حاجة أروح آكلة فى أودتى وأنا بلعب أو ببرطم.

■ أنا من جيل كان بيقعد يبحلق فى التليفزيون فى بداياته لما المراحيم صلاح زكى
أو تماضر توفيق يقروا نشرة الأخبار ويبصوا للكاميرا..
وأبص حواليا فى ريبة وأقول لنفسى
«هما بيبصولى ليه؟؟.. شايفينى إزاى دول؟؟.. يامممه»..

■ أنا من جيل كان بيرفع سماعة التليفون وينام جنبها بالساعة
لحد ما الحرارة تيجى.. وجيل كان يدور صفر فى القرص بعد ما يضرب النمرة
لإن حد قاللى لو عملتى كده المكالمة ماتتحسبش.. أو تكتكيها م الزراير
وماتدوريش القرص.. لحد ما بابا قفشنى وإدانى بالبونية وقاللى بتسرقى الحكومة..
ماهو كان ظابط بقى.. وأنا برضه من نفس الجيل اللى كان بيقدم على تليفون
ومصلحة التليفونات تحقق الطلب بعد تسع سنين!!

■ أنا من جيل انبهر بالترانزيستور الصغير.. وكنت بخبيه ورا ضهرى
لحد ما تيجى غنوة صوتها عالى وأقوم داخلة على ماما المطبخ مش باين عليا
إنى معايا حاجة وأقوم معلية الصوت مرة واحدة فتتخض وترزعنى
بكبشة الكشك وهو سخن.. وبعدين تصالحنى بإنها تدينى الحلة
بعد ما تغرف الكشك ألحس البواقى.

■ أنا من الجيل اللى اذبهل لما لونوا التليفزيون..
واللى انفهش تمام الانفهاش لما اخترعوا جهاز الفيديو والشرايط الفى إتش إس.

■ أنا من الجيل اللى كان بيشيل أول موبايل بمنتهى الفخر وأتعايق بيه
قدام عامة القوم وكان قد القبقاب كده وله أنتينا.. وكان موبايل السيارة بعلبة
زى علبة الجزماتى السريح وكنت أتمشى بيها فى الشارع بدون أى مناسبة..
وكنت لما أقف بالعربية فى أى إشارة أمسك سماعة موبايل السيارة
وأقعد أتكلم مع إن مفيش مكالمة عشان أذل الخلق اللى سايقين جنبى..
وكان ساعات يقوم رانن فى صرصور ودنى وأتفضح قدام البشر.

■ أنا من الجيل اللى فكه التحتانى وقع لما شاف جهاز الفاكس..
ماكنتش مصدقة إن حد فى أمريكا ممكن يحط ورقة فى ماكينة تقوم تطلعلى
هى هياها فى مصر.. ووقفت قدامه أترقص وأقول المكنة طلعت قماش..
محمد كامل عبدالسلام اللى كتب عيلة زيزى كان بيتنبأ بالمستقبل..
وكان ساعتها ورق الفاكس خفيف ولونه سمنى وبيخرج من المكنة يتبرم..
فكنت بكبّر من الذهول وأقول المكنة بتبرم الورق زى الفطاطرى
أما بيبرم الفطيرة شنجوتش.. سبحان الله العظيم.

■ أنا من الجيل اللى جاب أول كومبيوتر وكان اسمه صخر باين..
وكان قد التلاجة الإيديال الصغيرة.. وفضيتله أودة بحالها وعاملتها
على إنها مقام الحاج كومبيوتر.. وجبت مدرس يعلمنى أفك خطه..
ومن ساعتها ووشى ملزوق فى شاشته كأنه وطواط ما بيطلعش بالطبل البلدى.

■ أنا من الجيل اللى رفض يتقوقع بعيدا عن التكنولوجيا..
بمنطق مين فات قديمه تاه.. مافيهاش قديم دى.. يا أدخل المعركة
يا أتهرس تحت أقدام العيال وأتعامل معاملة التمثال أبو رقبة بتلعب بالزمبلك
اللى بيحطوه فوق التلاجة ومش فاهمة إيه الحكمة من كده.

■ من يومها وأنا فى سباق ولهاث لا ينتهى.. كل ما أنام بالليل سعيدة وفخورة
بنفسى وعاملة فيها مدام كورى لأنى عرفت أقرا سوفت وير أو مانيوال لحاجة..
أصبح الصبح ألاقى التكنولوجيا قفزت قفزة واسعة جدا مايجيبهاش لاعب
الأوليمبياد أبو زانة عالية اللى بينط من فوق حبل غسيل عالى كده.

■ بطلت من ساعتها أتمنظر أو أتآلط على حد بمعرفتى لأى تكنولوجيا..
ما بلحقش يا با.. ولكنى أقف الآن حائرة ومش فاهمة.

■ المسألة خرجت عن حدود الاختراعات التى تسهل لك الحياة
وتمكنك من الاتصال والاطلاع على مستحدثات العلم..
كانوا بيقولوا إن الحرب القادمة هى حرب المعلومات..
الإنسان سيتفوق بكم المعلومات التى لديه.. والدول ستسود بنفس الكيفية.

■ الواحد كل ما بيبحث على قد إمكانياته وعلمه بيكتشف اختراعات جديدة
كل مهمتها هى الاختراق.. اختراق كل حائط وكل ساتر وكل خصوصية.
فكل معلومة تسجلها على أى وسيط هى محفوظة فى خزنة ضخمة
لدى السى آى إيه مثلا.. كل حساب لك على تويتر أو فيسبوك برقم جهازك
موجود فى حتة تانية.. كل ميل وكل رسالة تليفونية وكل مكالمة..
لا تنمحى حتى لو إنت مسحتها من على جهازك..
كل الاستخراعات بتاعة الواتساب والفايبر والحاجات دى..
كل صورك ونمر تليفوناتك وعنوان بيتك اللى بتسجلهم فى أى مكان
محفوظة لديهم.. هما مين؟؟..
هما اللى يملكوا التكنولوجيا مؤقتا واللى قوتهم المعلوماتية دايما مؤقتة
لحد ما تنتشر ثم يخترعوا الأصعب.. اخترعولك أجهزة ما تتفتحش
إلا ببصمة صباعك.. فإنت يا فتك بالقوى تسجل بصمة صباعك
وإنت فاكر إنك بتقلل فرص السرقة.. فتتنقل بره عدل..
يعنى بيتعملك فيش وتشبيه وإنت زى الباشا كده.. قالك كمان اللى جاى..
الأجهزة بدل الباسوورد تاخد بصمة صوتك أو وشك أو حدقة عينك..
ملفك كده يا باشا فى التمام.. وأكيد فصيلة دمك
والدى إن إيه بتاعك مشرفين فى الملف.

■ كنت عرفت قبل كده إن فيه سوفت وير يمكّن من يملكه من التجسس
على الناس من خلال كاميرا الكومبيوتر أو اللابتوب..
يعنى تبقى قاعد قدام جهازك مستكنيص ومستغرق فى الكتابة أو الرغى
على الفيسبوك أو أى حاجة تانية ربنا يعلم بيها.. وهناك من يتلصص عليك
من خلال جهازك.. ويسجلّك كمان.. ووقتها حذرت من المناظر ونصحت
اللى قاعد يشتم فى الناس ويتريق عليهم لازم ياخد باله من منظره
لإنه فى الغالب بيبقى قاعد مستكيف ومرحرح وشكله شبه سلكة المواعين
ومش واخد باله إنه بيتلقط صوت وصورة.

■ لما اخترعوا التروكولر.. افتكرنا إنه سوفت وير يمكننا من معرفة
من اتصل بنا لو لم تكن نمرته مسجلة لدينا.. افتكرنا كده لسذاجتنا.. لكن لأ..
أبسولوتلى.. ده عشان يدخلوا بيه على جميع الموبايلات اللى فيها التقنية دى
ينقشوا ليستة معارفك بالكامل.. تبقى قاعدة بيانات عندهم
عن سكان الكرة الأرضية مستخدمى التكنولوجيا.

■ لما اخترعوا الجوجل إيرث.. فرحنا وقلنا يا حليلة..
الخريطة بقت عالكومبيوتر.. وماعدناش محتاجين الكبيرة اللى كانت بتنزل
عالسبورة فى الفصل.. لكن.. الألطف هو الجوجل إيرث لايف..
يعنى البث المباشر.. أى موقع أو مكان مهما كانت خصوصيته..
تقدر تدخل عليه وتعرف تفاصيله وتتمشى فيه كمان..
مش تقولى محطة المطار السرى.

■ ومن ملف الرادارات.. اخترعولك برنامج يظهرلك حركة الطيران
فى العالم كله.. تضغط على بلد مثلا فتشوف جميع الطيارات التى تحلق
فى سمائها فى اللحظة ذاتها.. بماركاتها بأرقامها المسجلة بمدى ارتفاعها
فى الجو بموعد الإقلاع والهبوط.. برنامج تانى لو ضغطت على الطيارة
ذاتها يناولك منافيستو الركاب بأسمائهم بخريطة جلوسهم وأرقام المقاعد.

■ دى مجرد فكرة عامة قاصرة قدر قصورى فى البحث..
الله أعلم فيه إيه تانى.. القصد أنه قريبا جدا لن تكون هناك أسرار..
كل شىء حايبقى انكشفن وبان.

■ كانوا زمان يقولوا داخل كل دولاب ملابس هناك هيكل عظمى..
يعنى فى حياة كل شخص هناك سر أو أسرار.. شبه الهيكل العظمى..
ربما لأنه مخيف.. أو لأنه كان حيا ومات
لكنه لم يصبح عدما.. فما هو السر؟؟؟؟

■ هو كل ما لا تريد أن يعرفه الآخرون حتى لا تتعرض لمشاكل..
بدءا من الثكنات والمخططات العسكرية وقرارات وتكتيكات الحروب..
للأسرار المخابراتية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية..
لحد أسرار البيوت والأشخاص أنفسهم.

■ طيب ما هى الخصوصية؟؟.. هل تختلف عن السر؟؟..
هل هى ما لا تريد أن يعرفه الآخرون ولكن معرفته لا تسبب ضررا؟؟
طيب حدود كل واحد من دول إيه؟؟.

■ أعتقد أن مواصفات السر والخصوصية ستتغير بالتوازى مع انتشار
هذه التقنيات ووصولها لأيدى العامة.. طبعا حايستعملوها خطأ فى البداية
وحاتبقى هوجة فضايح.. ثم ستأخذ صفة العادية عندما تتكرر كثيرا
ويفقد الناس شهية أكل اللحم الحى وتفقد الفضيحة معناها ومذاقها.

■ مش عارفة أتخيل الحياة حاتبقى عاملة إزاى.. لما البنى آدم يبقى مفضوح
فى كل تصرف بيعمله فى حياته.. أو ماشى وحواليه آلاف الكاميرات
غير المرئية التى تصور تفاصيل يومه ومواقع وجوده وتسجل حواراته
وأكيد حايكون فيه حسّابة بتحسب.. هل سيتأدب ويمشى عدل؟؟..
ولّا مواصفات الأدب نفسها حاتتغير؟؟..
ولّا حا يفجر وما تفرقش معاه حاجة؟؟.

■ كانوا بيقولوا إن من مواصفات السر إنه يفضل محصور بين اتنين..
لو خرج للتالت مابقاش سر.. إنسى يا عمرو.. ما عادش الكلام ده.

■ سيتحول السر إلى مجرد فكرة غير قابلة للتنفيذ وحايفضل الإنسان
بئر أسرار نفسه.. وحايفضل سرُه داخل رأسه فقط.. لو باح بيه اتقفش..
وحايتحول كل بنى آدم إلى صندوق أسود متحرك حيث ستتحول دماغه
إلى خزنة كبيرة بيحوش فيها تصرفاته وأفكاره..
حتى ده مؤقت لأنهم أكيد حايوصلوا فى يوم من الأيام
لتسجيل إشارات المخ وقراءة الأفكار والانفعالات..

■ فى مجتمع زى مجتمعنا.. كيف سيكون الحال؟؟..
نحن الذين نعيش فى عالم من الأسرار ناتج عن كم الكذب والتضليل
والتمثيل والادعاء وانفصام الشخصية وتعدد الوجوه..
هل سيكون كشف كل هذا علاجا أم نقمة؟؟.

■ أنا اللى قالقنى فى كل ده.. دخول الحمام.. مش معقول يعنى..
ده حتى عيب كده.. ستنتهى أسطورة
«يا خارجة من باب الحمام وكل خد عليه خوخة»..
ده حايبقى كل خد عليه ختم «تم التسجيل وشكرا»..
وهكذا سوف تتأكد مقولة «دخول الحمام مش زى خروجه»..
فالمواطن مننا حايكون داخل ياخد دش بسلامة نية..
يخرج يلاقى الفيلم بيتذاع على شاشة مترو الأنفاق.

■ أحيانا أتمنى أن نعود لعصر اللعب بغطيان الكازوزة
فقد كنا أكثر سلاما مع النفس.