الشعب المصرى شعب مُسيَّس حتى النخاع، لم يخطئ صاحب هذه المقولة مطلقاً، وربما كان ايضاً من ركاب مترو الأنفاق !، الذى يقوده حظة لركوب المترو ذهاباً واياباً من أول الخط لأخره!... داخل عربات مترو الأنفاق وخاصة عربة السيدات ستستمع الى كل وجهات النظر السياسية والغير سياسية، وستشارك –رغماً عنك- فى كل المناقشات، فماذا يمكنك ان تفعل اذا كنت محاصر لفترة زمنية طويلة كانت أم قصيرة داخل جدران عربة المترو..بالتأكيد ستتغلب على الزحام والحر بالكلام!

داخل عربة السيدات، الوضع يزداد سوءاً، ربما لإن الثرثرة هى عادة النساء بشكل عام، وربما لإن إختلاف النساء مع بعضهن البعض لا يمر عادة بسلاسة وهدوء...من داخل عربة السيدات كان للسياسة شكل مختلف، ربما يفوق توقعات الكثير ممن لا يعلمون ان هذه العربة هى أشبه بمنتدى نسائى متحرك لا ينفض ابدً...تسمع فيها كل وجهات النظر السياسية من مؤيدات ومعارضات لما يدور في مصر من أحداث.. تعكسها آرائهن حول الثورة ومبارك والدستور والاعتصامات والأموال المنهوبة والغلاء..وبالتأكيد إنتخابات الرئاسة.

مرسي ولا شفيق
فرضت أحداث إنتخابات الرئاسة نفسها علي أحاديث السيدات داخل المترو، خاصة بعد الوصول الي مرحلة المطرقة والسندان والإختيار بين الفريق شفيق و د.محمد مرسي ، الإختيار المر و الصعب للجميع عامة و النساء خاصة!
يبدأ المشهد بصعودك الي عربة السيدات التي لا تلبث راكبتها ان يغلق باب المترو مرة أخري حتي يبدأن بالحديث و كإن فترة توقف المترو هي فترة الـ"بريك" او الراحة من الجدال..فجأة تبدأ إحدهن بالحديث الي السيدة المقابلة لها قائلة: قولتيلي بقا هترشحي أحمد شفيق علشان خايفة من حكم الإخوان ..والله احنا شعب مبنتعلمش و نستاهل اللي يجري لنا" وهنا تبدأ السيدة في تبرير موقفها قائلاً: "انا مش هنتخب شخص أخر حاجة بيعترف بيها هي المرأة و اول حاجة بيفكر فيها انها عورة لازم تستخبي في البيت"..وهنا يبدأ النقاش في الإحتدام بين الطرفين وتتدخل الراكبات للتهدئة ولا ينتهي النقاش عادة الا بنزول احدهن من العربة لوصولها لمحطتها.

لبني عبد الحق موظفة حكومية، من راكبات المترو يومياً ذهاباً واياباً لعملها بوسط البلد تقول: عادة اتجنب الدخول في نقاش مع السيدات في المترو لإنها "بتقلب بخناقة" خاصة اذا كانت بين احدي المنتقبات و بين السيدات او الفتيات الأخريات، حيث يفرضن رأيهن بالصوت العالي و الإستناد للدين وللأسف يثيرن استفزاز الراكبات حتي تبدأ المشاجرة وعلية اكتفي بالمشاهدة حتي أصل لمحطتي بسلام.

بينما تقول بثينه محمد طالبة بكلية العلوم ، لا استطع الصمت أما السيدات اللاتي يبدأن بقول : الثورة خربت البلد، الشباب اللي في التحرير دول بلطجية، فين أيامك يا مبارك، هنا لا استطع سوي ان ارد عليهم بأدب و بتوضيح بسيط لما يحدث، بعضهن يستعب الكلام والبعض الأخر يبدأ بالشجار والصوت العالي وفي إحدي المرات كادت ان تتطاول علي احدهن "بالشبشب"!

انتخابات وإحباط
يعود الحديث مرة اخري داخل عربة السيدات حول نتائج الإنتخابات كالأتي:
سيدة بسيطة تحدث المجاورة لها قائلة: والله يا بنتي انا انتخبت حمدين حسيت انه شبهنا، لترد عليها السيدة الأخري قائلة: ولية متنتخبيش المرشح اللي هيخلي البلد محترمة وهيطبق شرع ربنا ولا عاجبك اللي البنات والشباب فيه في الشوارع!

هنا تبدأ فتاة يبدو انها من طالبات الجامعة بالرد قائلة: مش دول برضو اللي اشتروا اصوات الناس بالزيت والسكر و الرشاوي..ننتخبهم ازاي وفين شرع ربنا ده اللي بيطبقوه.

يسود الصمت لثواني قبل ان تبدأ احدي السيدات الأقباط في الحديث.. قائلة: وايه العمل دلوقتي احنا اتحطينا في وضع لازم نختار الفريق شفيق، اي عقل يقول اننا نختار مرشح عايز يرجع يدفعنا الجزية او نسيب البلد خالص! نار شفيق ولا جنة الإخوان".

منة عبد الحي معيدة بالجامعة و احدي راكبات المترو بصفة دائمة تقول: حالة الإحباط من نتائج الإنتخابات فرضت نفسها بقوة داخل المترو فالأن اصبحت العربات عبارة عن "صداع" لا ينتهي و نقاش دعائي مستمر كلاً تدعو لمرشحها ولدعمة بشتي الطرق حتي لو بالقوة والخناق و الصوت العالي! وكإنها دعاية مجانية لمرسي و شفيق من انصارهن او من انصار اختيار الحل السيئ بدلاُ من الأسوأ.

كبر دماغك
على رصيف المترو عادة ما يتم تحديد الموضوع الذى ستقام حولة المناقشة داخل العربة، لذلك تلتزم بعض الفتيات الصمت وعدم الحديث مع أحد قبل دخول العربة ربما لأنهم واثقات انه سيكن حديث بلا جدوي!
عبير عبدالله طالبة بكلية التجارة تقول: أحرص علي وضع سماعات الراديو بأذني عند دخولي لعربة السيدات لأنهن لا يكفن عن الحديث في السياسة و الإنتخابات و الشباب البايظ اللي خرب البلد! لذلك اعزل نفسي في عالم أخر حتي النزول واتركهن في عالمهن.

أما هدي الجندي –مدرسة- فتقول: في إحدي المرات كانت هناك سيدة تتحدث بلا توقف عن ضرورة انتخاب محمد مرسي والوقوف في وجه الفلول، بطريقة استفزت الراكبات وربما ظهر من طريقتها انها من حملته الدعائية لإنها لا تنزل في اياً من المحطات ولا تتوقف عن الحديث حتي عند مقاطعتها وأخذت توجه لنا الأسئلة وحينما تحدث الي لم أرد عليها، فأخذت تصرخ في "ردي يا أنسة الساكت عن الحق شيطان أخرس" وعليه نزلت في نفس المحطة هروباً من حديثها لأنتظر المترو التالي.

من إحدي المواقف التي أثارت ضحك راكبات المترو ، حينما بدأ الحديث يشتد بين الراكبات كالعادة و كانت هناك راكبة يبدو عليها علامات الإرهاق، سيدة في الثلاثينات ربما .. فقامت فجأة صارخة فيهن " بس كفاية كلام اسكتوا شوية، رغي رغي مبتفصلوش" ، رد فعلها أثار دهشة الراكبات اللاتي سكتن بالفعل للحظات ثم انفجرن في الضحك!
وأخيراً لا يمكن تجاهل الباعة الجائلين الذين يتركن ما في اياديهم للدخول في نقاش و عرض وجهات نظرهن علي الراكبات..في النهاية لا يقطع ذلك الحديث لينهية دون ان ينتهي فعلياً ، سوي طنين باب المترو الذي يعلن وصول المترو للمحطة ونزول الراكبات.