عملاق هائل فى حياتنا الأدبية و الفكرية و الثقافية، لم يكتسب مكانته الرفيعة من وظيفة، أو من جاه، أو من لقب علمى، إنما حصل عليها بكفاحه المتصل. كان أبوه أمينا للمحفوظات بمدينة أسوان، و كان جده يشتغل بمصنع حرير بمدينة دمياط. فلقب بالعقاد. ورث عن أمه امتداد القامة، و ملامح الوجه، و قوة الشخصية. و أخذ عن الطبيعة كل ما فيها. أسوان مسقط رأسه، و هى بلدة الشلال و الجرانيت و الشمس الساطعة و النيل المبارك.

من صغره أخذ يقرأ التراث العربى و ألف ليلة و ليلة و دائرة المعارف و كتابات عبد الله النديم و الصحف القديمة. و لما بلغ السابعة من عمره، ألحقه أبوه بالمدرسة الإبتدائية، و تصادف أن زار الشيخ محمد عبده - و هو أكبر شخصية إسلامية فى ذلك الوقت – مدرسته، و استمع إلى موضوع التعبير الذى كتبه الطفل عن (الحرب و السلام)، و ناقشه فيه؛ لأنه كان يفضل الحرب.

و تخرج فى المدرسة الإبتدائية سنة 1903 مـ. و اشتغل سنة 1905 مـ بالقسم المالى فى مدينة قنا. لكن ظلت الكتب هى كل شئ فى حياته.

و كان يتردد على القاهرة ليشترى الكتب. و أخذ يكتب مقالات فى الصحف التى كانت موجودة، مثل (المؤيد) و (البلاغ) و (الدستور) و (البيان). ثم اشتغل فى ديوان الأوقاف، لكنه فضل عدم التقيد بالوظيفة الحكومية، لأنه أخذ يكتب ضد الطغيان و الاستبداد و ضد الملك و الحاشية و ضد الأحزاب السياسية الفاسدة. و فى سنة 1938 مـ عين عضوا بالمجمع اللغوى، ثم عضوا بمجلس الشيوخ. و أصبحت له مكانة ممتازة بين الكتاب و الصحفيين و السياسيين.

و نظرا لذلك فإنهم عرضوا عليه أن يكون مديرا للإدارة العربية، أو أن يشتغل فى منصب مدير دار الكتب، أو مديرا للجامعة، ثم عرضوا عليه أن يكون وزيرا، لكنه رفض كل ذلك. لم يستهوه منصب أو جاه أو منفعة. لذلك لم يكن هناك قيد عليه فى 23 يونيو 1930 م – حين هدد الملك فؤاد بتحطيم الرأس الذى يعتدى على الدستور – و دخل السجن بسبب جرأته؛ فلم يضعف و لو يتراجع عن آرائه.

اتخذ السياسة وسيلة لتحقيق الحرية؛ حرية الوطن و المواطن. و أما عن سب تمسكه بالديمقراطية فإنه يقول: "لأننى لست بالمذل و لست بالذليل و لست بالمؤمن بصلاحية الاستبداد فى جميع الأحوال. و هذه هى الأسباب التى تبغض إلى الاستبداد حيث كان. و تحبب إلى الديمقراطية حيث كانت، و لو كانت بين أناس لا يستحقونها".

و هو لم يكتب فى السياسة وحدها. لقد ترك لنا أربع عشرة دراسة فى الترجمة و المذكرات و الفلسفة و السياسة، و أكثر من عشرة دواوين من الشعر، و تسع عشرة دراسة فى الاجتماع و الأدب و التاريخ، و أحد عشر كتابا فى النقد و اللغة، و أربعة عشر فى التراجم، و أحد عشر فى الإسلاميات. و عنى بدراسة طائفة من ذوى العبقريات الفذة و الشخصيات النادرة من أمثال: عبقرية محمد، و عبقرية عمر، و عبقرية خالد، و عمرو بن العاص، و عثمان بن عفان، و أبو بكر الصديق. رسم لكل منهم صورة عقلية و نفسية و إنسانية. و له ثمانية كتب فى العقيدة الإسلامية و كتاب عن حياة المسيح فيه تحليل دقيق لرسالته التى قامت على الإخاء و السلام و التعاطف و المحبة. و أثبت فى كتبه أن الإسلام هو الذى أنشأ فكرة الديمقراطية. و كان العقاد يطلب الكرامة من طريق الأدب و الثقافة، و يعتبرهما رسالة يحق لصاحبهما أن يصان شرفه بين أرفع المقامات الإنسانية.

و رغم أنه لم يتزوج، فإنه أحب الأطفال، و كان يقول عنهم: "إنهم معلمون من الطراز الأول. إن معلمينا الصغار لا يكتمون شيئا. فمن لم يتعلم حقائق الضمير الإنسانى من الأطفال فما هو بمستفيد شيئا من علوم الكبار". و قد كتب عن حياته الشخصية فى كتابه (أنا).
و كتب عن حياته الأدبية و السياسية و الاجتماعية
فى كتابه (حياة قلم).