يقف قاسم أمين بين ذلك الرعيل الأول من المفكرين المناضلين فى أواخر القرن قبل الماضى و أوائل القرن الذى يليه. إذ أن مكانه الحقيقى هو بين جمال الدين الأفغانى، و عبد الرحمن الكواكبى، و محمد عبده، و عبد الله النديم، و سعد زغلول، و طه حسين. لم تقتصر جهوده – كما هو معروف – على تحرير المرأة، بل إن له جهودا أخرى فى إنشاء الجمعيات الخيرية، كما تعتبر الجامعة ثمرة من ثمراته، و جولاته مع ممثلى الاستعمار فى مصر لا تنسى. اشتغل منذ سنة 1906م بالدعوة إلى إنشاء الجامعة مع صديقه سعد زغلول، و شغل بتوطيد هذه الجامعة إلى أن وافته المنية بعدما أعد كل العدة لاقتتاحها و قبيل هذا الافتتاح بأشهر معدودة. و قد كان برنامجه أوسع من مجرد تأسيس الجامعة، كان يريد أن يجعل منها خطوة لثورة حقيقية تتناول بالتغيير كل شئ: التعليم، اللغة، الأدب، التربية، الفكر، المجتمع، الأخلاق، و العادات و التقاليد.

ولد قاسم محمد أمين فى الاسكندرية فى ديسمبر 1863م، و عاش فيها زمنا، حيث التحق بمدرسة رأس التين ثم انتقلت الأسرة إلى حى الحلمية بالقاهرة، و انتقل هو إلى المدرسة الخديوية الثانوية، بعدها التحق بكلية الحقوق، و حصل على الليسانس سنة 1881م، و كان أول الدفعة و عمرة ثمانية عشر عاما.

كانت أسرته على حظ كبير من الثراء و النعمة، و بعد تخرجه أرسله أبوه ليتمرن فى مكتب المحامى "مصطفى فهمى" الذى أصبح بعد ذلك رئيسا لوزراء مصر طوال ثمانية عشر عاما متصلة، و رغم حداثة سنه فانه كان واحدا من تلك الحلقة الذهبية التى أحاطت بجمال الدين الأفغانى، و هناك التقى بسعد زغلول و محمد عبده و عبد الله النديم. فقد كان مدفوعا بحماس وطنى جارف شأن الشباب المثقف فى ذلك الحين، ثم ما لبث أن سافر إلى فرنسا فى بعثة ليدرس القانون، و فى باريس تابع الأحداث التى تحدث فى مصر: فشل الثورة العرابية، هجوم الانجليز على مصر، المحاكمات. و جاء الأفغانى و محمد عبده منفيين من قبل حكومة الاستعمار إلى باريس.

تميزت كتاباته بالدعوة إلى الحرية، حتى إن كلمة الحرية ترددت فى كل كتاباته كثيرا لأنها كما يقول "قاعدة ترقى النوع الانسانى و معراجه إلى السعادة". أما الاستبداد فانه "أصل كل فساد فى الأخلاق". و استبداد القوى بالضعيف مرفوض عند قاسم أمين، لأنه استغلال، و لأنه ضد مبدأ الحرية، لذا فانه كان يقف ضد القوى مادام الحق فى جانب الضعيف. و تطبيقا لمبدأ الحرية؛ فانه كان يرى أن الأعمال الحرة هى المجال الطبيعى لمن أراد أن يحيا حياه كريمة حرة تكفيه كل متطلباته. و أخذ يقارن بين موظف الحكومة و بين التاجر الناجح أو المحامى المشهور أو الطبيب المعروف، و هاجم المثل الذى يدور على ألسنة العامة عن التعلق بالوظيفة الميرى. أما آراؤه الاجتماعية فهى كثيرة، تدل على أنه تعمق فى المشكلات الاجتماعية من جميع الجوانب، بدءا ببناء الأسرة، و تربية الأطفال، و الزواج، و دور الأم و الزوجة، و العلاقة بين الأب و الأبناء، و النعليم و دوره، و المرأة و حريتها، و له رأى فى أن المشكلات الاجتماعية ترتد إلى سبب جوهرى، هو إهمال التربية الروحية التى تعود الطفل أن يفهم الفضيلة و الرذيلة، و أن يمارس الفضيلة و يتجنب الرذيلة، و لا سبيل إلى ذلك إلا أن تكون الأسرة التى نشأ فيها الطفل قد فهمت دورها حق الفهم. يقول قاسم أمين "و أول أساس يقوم عليه بناء التربية الشريفة هو الأساس الدينى. فالدين للإنسان هو الشئ الوحيد الذى يمثل بين يدى كل نفس صورة الكمال الحقيقى. و غرس بذور محبة الدين فى نفس الطفل يجعل وجهته فى كل حركاته و سكناته نحو الكمال فى كل شئ". و أهم ما أصدره قاسم أمين كتابان هما: (تحرير المرأة) و (المرأة الجديدة) اللذان أحدثا ثورة فى الحياة الفكرية و الاجتماعية، و فيما يتعلق بوظيفة المرأة فى المجتمع، و فى البيت، و تعدد الزوجات، و الطلاق، و العلم، و التفكير. و لعل ما وصلت إليه المرأة من تطور كان هذان الكتابان هما الخطوة الأولى نحوه. لكن الموت فاجأه فى ليل 23 ابريل 1908م، و لم يمهله كى يرى ثمرة جهوده فى التعليم الجامعى و فى الحياة الاجتماعية.