د. خالد منتصر

طالما سألت نفسى لماذا نجح مانديلا فى مشروع نهضة جنوب أفريقيا وفشل مرسى فى مشروع نهضة مصر؟، إنه الفرق بين الحلم والحكم، فمانديلا ظل يحلم حتى وهو فى الحكم بمستقبل جنوب أفريقيا، أما مرسى فقد انتهى حلمه مع بداية حكمه، قدم لنا الحلم أثناء الانتخابات على شكل طائر النهضة، حتى فوجئنا بأن هذا الطائر الوهمى مصاب بأنفلونزا الطيور، مجرد هيكل ذابل أنكره فى النهاية حتى من روجوا له، وعلى رأسهم الشاطر الذى فاجأنا فى النهاية بأنه لا يوجد مشروع نهضة!، مانديلا اختار لمرحلته أن تكون انتقالية للأمام واختار التسامح شعاراً، ومرسى اختار لمرحلته أن تكون انتقامية للخلف والماضى، واختار التشفى وتصفية الحسابات شعاراً، لا يمكن لأحد أن يزايد على مانديلا فى الكفاح من أجل وطنه والثمن الذى دفعه من أجل ذلك والسجن الذى تعرض له، ثمانية وعشرون عاماً متصلة فى زنزانة مظلمة بعد فترة اعتقالات متفرقة، وبالرغم من ذلك خرج متسامحاً من أجل مصلحة بلده، أما مرسى فلا حديث له إلا عن المجرم والفلول، ولا أحد يزايد أو يقارن بين النظام العنصرى الجنوب أفريقى وبين أى نظام آخر ولو كان نظام مبارك، فهذا النظام العنصرى البغيض الذى كان يضع كلب حراسة الرجل الأبيض فى مرتبة أرقى من المواطن الزنجى الأسود، الذى لم يمنح السود ثمانية وثمانين كرسياً فى البرلمان، ولم يجعل أمن دولته تتفاوض معهم أبداً ولم يتفاوض على شطب السود الأعضاء من دوائر معينة بدعوى أن المرشحين الكبار البيض رموز وطنية لا تمس!، مانديلا أصابت التجاعيد وجهه العجوز، ولكنها لم تصب قلبه، مانديلا زحفت الشيخوخة على جسده الواهن ولكنها لم تزحف على روحه، مانديلا يحب الحياة برغم تجاوز التسعين ويثق بأنها تستحق أن تعاش وأن يستمتع بها لا أن نضع لها كتالوجاً من القيود المريضة وباتروناً من عقد الكبت والاضطهاد، مانديلا لا يعرف المراوغة وبرغم عشق شعبه الجارف له لدرجة التقديس إلا أنه زهد فى الكرسى واختار أن يستكمل حياته فى مؤسسة تزرع بذور الخير والنماء فى تربة الوطن التى تحلم بالقمح والياسمين لا بالشوك والصبار.

تعالَ يا رئيس كل المصريين كما كنت تعدنا لتقرأ رسائل مانديلا إلى المصريين بعد الثورة، سأقتبس منها بعض الكلمات ربما يستطيع الوطن أن يلحق بقطار التقدم الذى حجزت فيه جنوب أفريقيا تذكرة مكيف درجة أولى، وما زلنا نحن مصر العريقة نقف على المزلقان اليدوى نستقبل الجثث المدهوسة المدفوسة لأطفالنا الذين كانوا يحلمون بمستقبل أفضل، ماذا قال لنا مانديلا منذ حوالى عامين؟، قال:

■ إن إقامة العدل أصعب بكثير من هدم الظلم، فالهدم فعل سلبى والبناء فعل إيجابى.

■ معظم الوقت لديكم مهدر فى سب وشتم كل من كانت له صلة تعاون مع النظام البائد، وكأن الثورة لا يمكن أن تكتمل إلا بالتشفى والإقصاء.

■ النظر إلى المستقبل والتعامل معه بواقعية، أهم بكثير من الوقوف عند تفاصيل الماضى المرير.

■ أن تكون حراً لا يعنى مجرد التحرر من الأغلال، ولكن أن تعيش وفق نمط حياة تعزز من خلاله حرية الآخرين وتحترمها.

■ الحرية لا يمكن أن تعطى على جرعات، فالمرء إما أن يكون حرّاً أو لا يكون حرّاً.

■ العبيد فقط يطلبون الحرية.. الأحرار يصنعونها.

■ نحن لا ننسى.. ولكن نسامح.