يستيقظ «عم جمال»، قبل أذان الفجر بقليل يستعد بصحبة ابنيه حسين وعلى
للذهاب لصلاة الفجر بالمسجد ثم التوجه لنقطة التجمع الخاصة بالأنفار
على الطريق الرئيسى الذى يمر بجوار قريتهم أو «الأسفلت» كما يسمونه
ينتظرون سيارة نصر كبيرة مثل سيارات الجيش لنقل الجنود كى توصلهم
إلى الغيط الذى سوف يقومون بالعمل فيه لهذا اليوم.

«عم جمال» كفيف قصته لا تدعو للاكتئاب بل العكس..
هى قصة تفاؤل وتحد، نذهب عادة لقراءة القصص أو مشاهدة الأفلام
التى تدعو للأمل وتعطينا دفعات من التفاؤل مع أن كل ما نحتاج إليه
هو أن نرى نماذج من حياتنا اليومية لنتعلم منهم.

يسكن «عم جمال محمد محمد على» ذو الثلاثة وخمسين عاما
الشهير باسم «جمال أبوالضبعة» من عائلة الزعايمة فى قرية الرزيقات
قبلى بمركز أرمنت جنوب مدينة الأقصر.. منزله متواضع مكون من ساحة
صغيرة بها غرفتان واحدة لنوم الذكور والأخرى للإناث وغرفة أخرى صغيرة
للدواجن وحائط لا يستر يخفى خلفه «الخلا» أو دورة المياه..
هذا المنزل هو ورث عم جمال وبالطبع لا يوجد به كهرباء أو مياه نظيفة
أو صرف صحى، حيث إن تكاليف إدخال المياه للمنزل تصل إلى 1500 جنيه.

المنزل ليس الشىء الوحيد الذى ورثه عم جمال عن والديه
بل أيضا ورث ضعف نظر تحول مع الوقت إلى فقدان كامل للنظر.

وقام عم جمال بالذهاب لعدة أطباء أجمعوا كلهم على أن هذا المرض الوراثى
ليس له علاج. لعم جمال خمسة أبناء وأربع بنات.. الابن الأكبر حسين 21 عاما
يعانى من الحالة نفسها حيث فقد نظره تماما أما على 17 عاما فحاليا فى بدايات
مرحلة فقدان النظر حيث إنه لم يعد يرى التفاصيل ويجب أن تكون الإضاءة جيدة
كى يرى عدة أمتار أمامه.

عم جمال يعمل مزارع قصب باليومية عن طريق مقاول أنفار يوميته 20 جنيهاً فقط
ولا يعمل إلا فى موسم القصب من شهر يناير إلى آخر إبريل من كل عام
فى غير موسم القصب يتقاضى عم جمال معاشاً شهرياً من التضامن الاجتماعى
بقيمة 100 جنيه، مع الثورة زاد المعاش مؤخرا ليصبح 200 جنيه شهريا.

عندما يذهب عم جمال إلى الغيط صباحا يقوم أحد الأنفار بتجميع كومة من أعواد القصب
ليقف عم جمال أمامها ويقوم بالإمساك بعود قصب ليقطع عنه «زعزوعته»
ثم ينتقل إلى العود الذى يليه.. أما فى مرحلة البحث عن «البواقى»
وهى أعواد القصب التى لم يتم سحبها فى مرحلة الحصاد يقوم عم جمال
بمساعدة ابنه «على» بالوصول إلى أول «السرابة» أو الخط الذى تتم زراعة
القصب به ويقوم بالمشى راكعا ببطء محركا ذراعيه أمامه ليمسك
بأعواد القصب المختفية تحت أكوام ورق القصب المحصود
حتى يصل إلى آخر الخط، ثم ينتقل إلى السرابة التى تليها.

قال مقاول الأنفار المسؤول عن عم جمال إنه قد عرض عليه ألا يعمل
وسوف يظل يتقاضى يوميته ولكنه رفض رفضا شديدا سألت عم جمال
لماذا رفض هذا العرض رد ببساطة وصدق:
«ربنا ممكن يكون أخد عينى بس سابلى إيدى علشان أشتغل بيها
إيدى مابمدهاش غير لربنا، وده أحسن 100 مرة من إنى أمدها للناس».

سلمت على روعه طرحك
نترقب المزيد من جديدك الرائع
دمت ودام لنا روعه مواضيعك