ضياء رشوان

أيا كان الحكم المتوقع صدوره غداً فيما يخص الجمعية التأسيسية للدستور، سواء بحلها كسابقتها أو مواصلتها عملها، فالأهم هو أننا سنكون أمام مشروع لدستور الثورة بعد فترة قصرت أو طالت. ولنترك جانباً هذه المرة التشكيل الحالى للجمعية أو التشكيل الجديد لها إذا حكم القضاء بحلها، ولنتحدث عن حقوق المصريين البالغ عددهم نحو خمسة وخمسين مليون ناخب تجاه هذا المشروع لدستور سوف ينظم كل شؤون حياتهم لسنوات طويلة.

والحق الأول لهؤلاء المصريين أن تتاح لهم الفرصة والوقت الكافيان للتعرف على مواد الدستور المقترح والحوار حولها بجميع السبل التى يمكنهم اللجوء إليها. وإذا كان مائة من نخبة المصريين ومثقفيهم هم أعضاء الجمعية التأسيسية قد استغرقوا حتى اليوم أكثر من أربعة شهور لكى ينجزوا نحو نصف مواد الدستور بغير اتفاق كامل على الكثير منها، فما هو الوقت الكافى لهذه الملايين من المصريين أصحاب الحق الأصيل فى الدستور والذين سوف يستفتون عليه لكى يتعرفوا على مواده، بما يمكنهم من اتخاذ موقف رشيد ونهائى منها.

هل يعقل أن يكون هذا الوقت هو، كما أعلن رئيس الوزراء، لا يزيد على شهر واحد؟ وهل يعقل فى المقابل أن يقل الوقت المخصص لكل هذه الملايين من أصحاب الحق الأصيل عن الوقت الذى أتيح لوكلائهم المفترضين من أعضاء الجمعية التأسيسية؟ إن القاعدة التى يجب تطبيقها فى تحديد المدة التى يجرى فيها الحوار المجتمعى حول الدستور المقترح هى ألا تقل عن المدة التى ستقضيها الجمعية التأسيسية فى إعداده، وهى تبدو، فى أحسن الأحوال، من خمسة لستة شهور. إن أى تقصير لهذه المدة الطبيعية والضرورية لتعريف المصريين بالدستور سيكون بمثابة «جريمة» حقيقية يجب محاسبة من يقوم بها.

أما الحق الثانى لعموم المصريين فهو المتعلق بالنسبة التى يجب الحصول عليها من الموافقة على مشروع الدستور المقترح. فلكى لا يتحول الاستفتاء على هذا الدستور إلى نوع من الانتخابات التى يفوز فيها طرف على آخر بنسبة ٥٠% زائد صوت واحد، وهو ما لا يتناسب مع وضع الدستور كوثيقة توافقية أساسية يقوم عليها كل البناء السياسى والاقتصادى والاجتماعى للبلاد، فالأفضل هو أن يكون هناك شرطان لهذا التصويت.

الأول هو ألا تقل نسبة مشاركة المصريين فى الاستفتاء عن ٦٠% من الذين لهم حق التصويت، وهى نسبة معقولة لتمثيل أغلبية المصريين فى تقرير مستقبل بلادهم. والثانى هو ألا يصبح الدستور مقراً إلا بحصوله على موافقة ثلثى الناخبين المشاركين فى التصويت، فإذا لم يحدث يعاد المشروع المقترح للجمعية التأسيسية لكى تجرى ما يلزم من تعديلات عليه يعاد طرحها للحوار المجتمعى لفترة كافية ثم يعاد بعدها الاستفتاء بنفس الشرطين السابقين.

إن من شأن هذا الشرط الثانى أن يدفع مختلف القوى السياسية والاجتماعية المشاركة فى الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، سواء الحالية أو التى قد يعاد تشكيلها، إلى السعى للتوافق حول مواده المقترحة بداخل صفوفها بحيث لا تطرح للاستفتاء العام إلا وهى محققة معظم طبقات وفئات وقوى المجتمع مصالحها فى مواده المختلفة.

ولو لم تستجب هذه القوى المتواجدة بداخل الجمعية التأسيسية لهذه الرغبة الشعبية فى التوافق بين المصالح والاتجاهات فى مواد الدستور سيكون مشروعها مهدداً بعدم الحصول على أغلبية الثلثين من المصوتين، وهو ما سيكون دون أدنى شك بمثابة هزيمة حقيقية لها وفشل ذريع منها فى تمثيل القوى الشعبية والاجتماعية التى تدعى تمثيلها سواء فى الجمعية التأسيسية أو فى بقية مؤسسات المجتمع السياسية.