يذكر المؤرخون أن صناعة العطور كانت من أقدم الصناعات التي عرفها الإنسان
وكانت هناك طريقتان للتصنيع الأولى عن طريق العصر حيث يتم وضع الأزهار
في رقاقة كبيرة مصنوعة من ورق البردي لها طرفان وتوضع بها الأزهار
مع قليل من الماء ثم يتم عصر الورود بها عن طريق تدوير الطرفين عكس
بعضهما البعض وكانت تتاح فقد للطبقات الغنية لا لعامة الشعب.

أما الطريقة الثانية فكانت عن طريق الحرق وذلك عن طريق حرق الأزهار
في إناء فخاري صغير حيث كانت تستخدم تلك الطريقة كنوع من القرابين
المقدمة للآلهة أو لتوديع المتوفى ولم تكن الزينة.

العطور العربية
من المعروف أن العرب كانوا أول من أضافوا التغييرات ونوعوا في استخدام
العطور ويجب أن نذكر في هذا الشأن أنهم أول من استخدموا تاج الزهرة
لاستخراج ماء الورود منذ 1300 عام ولم يستعملوا تاج الأزهار كعطرٍ فقط
بل استعملوه كدواء أيضاً ولعل أقدم أنواع العطور في العالم هو "عطر الورد"
وتعد الأزهار مثل الياسمين وزهر الليمون والبنفسج وغيرها من المصادر
المهمة لاستخراج العطور عند العرب ولكنهم كانوا يعتمدون على مصادر
أخرى لاستخراج العطور مثل خشب الأرز وخشب الصندل والنعناع
والخزامى والزنجبيل والسوسن وغيرها.

ويعد العالم الشهير ابن سينا من أبرز الشخصيات العربية الشهيرة
بصناعة العطور وهو الذي اكتشف طريقة استخراج العطر من الأزهار
والتي سميت بالتقطير.

العطور في أوروبا
لا أحد يمكنه إنكار أن البلاد الأوروبية لم تعرف عن العطور إلا من العرب
ولكن في نفس الوقت لا يمكن إنكار أنهم قد أضافوا لتلك الصناعة الكثير
من التطور حتى أصبحت على شكلها الحالي الذي نعرفه الآن
حيث إنهم أول من أضافوا الكحول إلى صناعة العطور وكان أول عطر
يستخدم فيه الكحول كمادة أساسية عام 1370.

وتعد فرنسا من أشهر البلاد الأوروبية التي اهتمت بتلك الصناعة سواء قديما
أو حديثا ويمكن أن نذكر في هذا الشأن أنه في عصور النهضة تمكنت فرنسا
من السيادة في مجال صناعة العطور خاصة في جنوب فرنسا حيث كانت
تصنع العطور ومستحضرات التجميل واشتهرت طائفة في فرنسا خلال القرن
السابع عشر باسم "صناع العطور" والتي كانت تستخدم مواد سامة في العطور
وأدى ذلك إلى وفاة إحدى الأميرات الفرنسيات مما أثر بالسلب على سمعة
هذه الطائفة.. واهتم ملوك فرنسا جميعا بالعطور فعلى سبيل المثال نذكر
أنه خلال القرن الثامن عشر كان الملك لويس الخامس عشر من أكثر الملوك
اهتماما بالعطور وبسبب اهتمامه ذلك جعل من باريس مركزا مهما في صناعة
العطور وزراعة النباتات العطرية حيث كانت عربته الملكية تدهن كل صباح
بالعطور وكان أثاثه يدهن يوميا بالعطور وكانت ملابسه تظل داخل إناء العطور
لعدة أيام ولم يهتم الملك لويس الخامس عشر بالعطور في حياته الخاصة فقط
بل أمر بتحويل بعض المزارع إلى مزارع للنباتات العطرية.

أما في إنجلترا فكان صاحب الفضل في إدخال تلك الصناعة هو هنرى الثامن
وأيضا الملكة إليزابيث الأولى والتي اهتمت بصناعة العطور
ويمكن القول إن صناعة العطور لم تشهد هذا التطور الكبير الذي نعرفه الآن
إلا بعد ظهور الكيمياء الحديثة حيث شهدت صناعة العطور تقدما عظيما
بعد الثورة الصناعية الكبرى كما بدأ استخدام العطور بشكل كبير
من كل طبقات الشعب ولم تعد حكرا على الملوك والأغنياء.