عندما تأتي من بعيد وترى الأنوار تذهب بالأبصار، وتسمع الزغاريد وكأنك في عرس بكر رشيد، وترى تهافت المريدين، أشخاص يصفقون يتمايلون برؤسهم يمنيا ويسارا وهم ينشدون، وإذ بك فجأة تتساقط عليك الحلوي والورود ، وهناك من يقدم لك الشربات وما لذ وطاب من الطعام  والشراب،  إذن أنت في حضرة سيدنا الحسين .

فبمجرد أن تطئ بقدمك ساحة المسجد تشعر وكأنك في عالم أخر غير الذي نعيشه الآن من مشهد يغلب عليه الهم والحزن من تلك الصراعات الدائرة بين السياسين وانشغال المواطنين بالحصول على لقمة العيش،  فهناك لا مجال للسياسة،  هم جاءوا من أقصي البلاد وقطعوا على أنفسهم المسافات ليتضرعون إلى الله عزوجل ويعبرون عن حبهم لآل بيت رسول الله صلي الله عليه وسلم،  في ذكري مولد سيدنا الحسين .

التعلق بالضريح وتقبليه والبكاء علي أسواره ورفع الايادي بالدعاء إلى الله  والزغاريد التي تملئ أرجاء المكان، أبرز المشاهد التي تراها من داخل الضريح , وبالساحة الخارجية للمسجد لا يختلف المشهد كثيرا، غير أن هناك مجموعة من الرجال والنساء اجتمعوا علي حب آل البيت، يمسكون بالطبول ويتأرجحون وهم يرددون الأناشيد والمديح في حب الله وال بيت رسول الله , فيما يعرف بـ " الحضرة "،  وأخرون يوزعون الحلوى والطعام والشراب في سبيل الله وسط تلاهف وصراعات من قبل المشاركين بالاحتفال للحصول علي تلك الوجبات لا شئ سوي أنهم يعتقدون فيها البركة، حيث ينتون نية أثناء تناولها على أمل أن يحققها الله لهم .

يظن الكثيرون بأن المجئ لضريح سيدنا الحسين والصلاة به وقراءة الفاتحة له ووضع بعض النقود بخزانته سبيلا لإجابة الدعاء وقضاء حاجتهم،  وهو  ما دفع بالحاجة أم وليد لتأتي إلى الحسين، وبخاصة في ذكري مولده لتتضرع إلى الله ليشفي ابنتها المريضة بـ " الصرع "،  حيث وقفت والدموع تزرف من عينها معلقه يدا بالضريح والأخرى ترفعها باتجاه السماء ولسانها لم يتوقف عن الدعاء " يارب بحق ومقام سيدنا الحسين اشفي بنتي ".

وبجوار الضريح، تجلس الحاجة فوزية مرتدية جلباب أبيض وخمار أخضر ومعلق برقبتها سبحة وكارنيه مكتوب عليه " الأشراف " , عندما تنظر لها وهي جالسة تارة تزغرد وتارة تبكي وتارة " تمسك بصفارة وتصفر بها "،  تتعجب لحالها،   انزعج بعض المشاركين بالاحتفال من " صوت الصفارة "، وكادت أن تنشب مشاجرة ولكن بعض النساء اللاتي يعرفن تلك السيدة حذروا من الاقتراب منها في إشارة أنها " من الإشراف ومن أولياء الله " .

وعندما اقتربنا من تلك العجوز حدقت عينها و قالت وبصوت زجر لا تسأليني عن شئ فأنا لا أعرف كيف خرجت من منزلي ولا ما الذي جاء بي إلى المسجد ومن وضع الكارينه والسبحة والصفارة علي صدري، أنا من الأشراف ومن بيت آل رسول الله "،  فهذه هي صورة من المشاهد التي تراها أثناء الاحتفال بالحسين أو ممن قالوا على أنفسهم بأنهم دراويش سيدنا الحسين .

أما الحاجة أم هاشم فتقول إنها اتعادت منذ ما يزيد عن 20 عاما على الاحتفال بمولد الحسين مستنكرة فتاوي التحريم ، وعن مظاهر احتفالها بالمولد تقول إنها تحضر اللحمة والأرز الشربات لتفرقها على من جاءوا للاحتفال بمولد الحسين،  وتقضي ليلتها هناك في ذكر الله ثم تغادر المسجد بعد صلاة الفجر متجهة لمنزلها، حيث تسكن بالغربية .

وبخلاف من جاءوا للدعاء لقضاء حوائجهم الشخصية , جاءت الحاجة نادية اليوم مستغلة ذكري مولد سيدنا الحسين، لتدعو لمصر والأمة الإسلامية بأن ينعم الله عليهم بالأمان والتخلص من التناحر السياسي ومشاهد العنف والقتل بين أبناء البلد الواحد، حيث تقول بأنها تكاد تبكي كل يوم على حال مصر وما يحدث بسوريا وفلسطين .

عشق آل البيت هو ما دفع بالحاج أحمد، ذو الخمسين عام ، ليقطع ما يزيد عن 18 ساعة سفر من الأقصر إلى القاهرة ليحضر مولد الحسين كعادة كل عام ، فهو يرى أن حب آل البيت فرضا على كل مسلم ووسيلة للتقرب من الله عزوجل،  مؤكدا بان اليوم هو فرصة للبعد عن الحديث بالسياسية،  فهو يوم روحاني فقط نذكر فيه الله وننشد بحب آل البيت، مشيرًا إلى أن الأعداد هذا العام أقل بكثير عن الأعوام الماضية، مرجعا ذلك الأحداث السياسية وفتاوي تحريم الاحتفال بموالد آل البيت.

وهناك بطبيعة الحال من يستغل الموالد لتكون " سبوبة عيش "  فعند كل خطوة تخطيها داخل أو خارج المسجد تجد " المتسولون " , الذين يستولون علي ما في جيبك بحجة أنك تخرج هذه الأموال لتنول رضا آل البيت،  فهؤلاء يحملون " أكياس " , وينادون هاتي يابلة لسيدنا الحسين "،  " حاجة لله وللحسين "،  وهناك من تأخذه روحنيات المكان ليخرج لهم مما رزقه الله .

وفي ظل هذه الأجواء التي يشهدها سيدنا الحسين الكائن بمنطقة الدراسة، حيث الأناشيد  والأنوار والذكر والتزاحم  كثفت قوات الشرطة من تواجدها بالمنطقة لتحمي المشاركين بالاحتفال .








شاهد الفيديو