كان يا مكان في يوم من الأيام قرد يعيش على شجرة جامبو(1) بقرب النهر. كان القرد وحيدا، فلا أصدقاء له ولا أسرة، ولكنه كان سعيدا ومطمئنا. و كانت الشجرة تدر عليه بكمية وافرة من الفاكهة الحلوة، وتمنحه ظلا يقيه من أشعة الشمس وملجأ من المطر.

في أحد الأيام كان هناك تمساح يسبح في النهر، متجها نحو الضفة ليرتاح قليلا تحت شجرة الجامبو. رآه القرد وألقى عليه التحية: "مرحبًا"، فرد عليه التمساح: "مرحبا، هلا تدلني على مكان أجد فيه بعض الطعام؟ فلم أجد شيئا أتناوله منذ الصباح حتى السمك قد نفذ من هذا النهر".

"حسناً" رد القرد وقال: "أنا لا آكل السمك فلست أدري! ولكن لدي كمية وفيرة من فاكهة الجامبو البنفسجية الناضجة من شجرتي هذه، هل تريد بعضا منها؟". ألقى القرد بعض الفاكهة على التمساح الذي تناولها كلها من شدة الجوع، رغم أنه من آكلات اللحوم. أحب التمساح هذه الفاكهة اللذيذة، وقام خجِلاً يطلب المزيد من القرد إن كان بالإمكان. رد القرد: "بالتأكيد" وألقى المزيد والمزيد منها. وعندما شبع التمساح بعد تناول كل الكمية قال له القرد: "عد إلي متى ما أردت تناول هذه الفاكهة".

في يوم لاحق بدأ التمساح يحكي للقرد عن زوجته وأسرته, فقال القرد: "لماذا لم تخبرني بأنك متزوج ولديك أسرة؟ أرجوك خذ بعض الفاكهة وأعط زوجتك عندما تعود للمنزل". قام التمساح ممتناً بأخذ بعض الفاكهة لزوجته.


أحبت الزوجة هذه الفاكهة فلم تذق مثل حلاوتها من قبل وقالت: "تخيل يا زوجي كيف هي حلاوة المخلوق الذي يتناول هذه الفاكهة كل يوم، سيكون لحمه لذيذا بل ألذ من الفاكهة نفسها بالتأكيد!". طلبت من زوجها أن يدعو القرد إلى تناول وجبة في منزلهم، وقالت بخبث: "وبالتالي يمكننا النيل منه وأكله".

فزع التمساح من أفكار زوجته وقال في نفسه: "كيف لي أن آكل صديقي؟ "وحاول أن يشرح لزوجته علاقته بالقرد وأنه لن يستطيع أكله لأنه صديقه. ولكن الزوجة أصرت على رأيها وقالت: "منذ متى تأكل التماسيح الفاكهة؟". وعندما شعرت بأنها لن تستطيع إقناع زوجها تظاهرت بالمرض وقالت: "لن يعالج مرضي سوى أكل قلب القرد، فإذا كنت تحبني فعليك إحضار هذا القرد إلى هنا حتى آكل قلبه".

لم يعرف التمساح المسكين ماذا يفعل، فهو لا يريد أن يؤذي صديقه، كما لا يريد أن يخسر زوجته، لكنه قرر أخيرا أن يحضر القرد إلى زوجته.

ذهب التمساح إلى شجرة الجامبو وقال: "يا صديقي العزيز، زوجتي تصر على أن تشرفنا بزيارتك وتناول وجبة تليق بك لأنها ممتنة لك بالفاكهة التي أرسلتها لها، وطلبت مني إحضارك للمنزل". سعد القرد بالإطراء، ولكنه اعتذر بأنه لا يستطيع السباحة. رد التمساح: "لا تقلق يهذا الشأن فسأحملك على ظهري"، فقفز القرد على ظهر التمساح.

انطلق التمساح يسبح في النهر الكبير وعندما أصبحا في مكان بعيد عن الضفة وشجرة الجامبو قال التمساح: "زوجتي مريضة جداً ولن يشفيها بعد الله سوى قلب قرد لذا يا صديقي العزيز هذه نهاية صداقتنا!". خاف القرد وفكر: كيف يتصرف، لكنه فكر بسرعة وقال: "صديقي العزيز، يؤسفني كثيراً مرض زوجتك وأنا سعيد بأني سأتمكن من مساعدتها، لكني تركت قلبي على الشجرة فهل يمكننا العودة حتى آخذ قلبي وأعطيه لزوجتك؟!!".

صدّق التمساح كلام القرد، وعاد يسبح سريعاً نحو شجرة الجامبو. وعندما وصلا قفز القرد نحو شجرته وشعر بالأمان وقال: "أيها الصديق الخائن الغبي، ألا تعرف بأننا نحمل قلوبنا في أجسادنا؟ لن أثق بك مجددا ولن أعطيك فاكهة من شجرتي. اذهب بعيدا ولا تعد إلى هنا أبداً".


شعر التمساح بغبائه بعدما خسر أمرين أحبهما كثيرا: صديقاً وفياً ومصدراً لفاكهة لذيذة.
أما القرد فقد أنقذ نفسه؛ لأنه فكر بسرعة واستعمل عقله. وأدرك التمساح أخيرا بأن القرد والتمساح لا يمكن أن يكونا صديقين وفيين، فالتماسيح تفضل لحوم القردة على أن تبني معها صداقات وعلاقات لن تستمر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شجرة الجامبو اسم يطلقه أهل الملايو على شجرة تحمل ثماراً تؤكل
وتُسمَّى تفاحة الورد، وتزرع في أجزاء كثيرة من ماليزيا.